نيويورك تايمز: آخر المشيخيات في الخليج

كتب مؤلف الإصدار “بعد المشيخيات: الانهيار القادم لممالك الخليج”، والأستاذ في جامعة “دورهام” بإنجلترا، كريستوفر ديفيدسون، مقالا في صحيفة “نيويورك تايمز” عن مستقبل حكم الممالك والإمارات في الخليج.

 

وأشار في البداية إلى أنه في هذا الصيف، انغمس السعوديون الساخطون في عرض شكاواهم عبر الإنترنت فرادى ومجموعات، من تفاقم ظاهرة عدم المساواة وارتفاع معلات الفقر والفساد والبطالة. وأصبحت حملات التغريد واحدة من أعلى الموضوعات تفاعلا في العالم.

 

ويقول الكاتب إن هذا أثار ذعرا كبيرا داخل أوساط النخبة في السعودية، وكان لها صدى في جميع أنحاء المنطقة. وقد ساعدت صيحة استنفار أن “الرواتب ليست كافية” على إثبات أن العقد الاجتماعي للنظام الملكي مع شعبه أعلن فشله الآن، وعلى نطاق واسع.

 

ويعتقد كثير من الخبراء أن دول الخليج قد نجت من موجات الربيع العربي لأنها مختلفة، كما إنها نجت من عواصف الماضي العديدة: من الثورات القومية العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إلى غزو صدام حسين للكويت عام 1990 إلى عمليات تنظيم القاعدة في عام 2003 .

 

ولكنها، كما يرى الكاتب، ليست مختلفة بأي شكل من الأشكال الأساسية، لقد اشتروا ببساطة الوقت بالبترودولار، وأن الوقت آخذ في النفاذ.

 

“مشيخيات” الخليج قد لا تواجه مصير العقيد معمر القذافي في ليبيا أو حسني مبارك في مصر العام المقبل، ولكن النظام الذي أوجدته لا يمكن الدفاع عنه على المدى الطويل، ويمكن أن يتفكك وربما في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون.

 

وكتب يقول إن المملكة العربية السعودية هي الركن الأساس في دول الخليج الست، لذلك فإن استقرارها الداخلي أمر حاسم بالنسبة للمنطقة، خاصة بعد أن تحول الآن الكثير من الاهتمام نحو هذه النظم السياسية التي عفا عليها الزمن في أعقاب انتفاضات عام 2011.

 

ورغم أنه ليس صحيحا التعامل مع أي بلد من الخليج كحالة استثنائية، إلا أن المملكة العربية السعودية هي في الواقع مختلفة قليلا عن جيرانها.

 

على عكس المخلوع مبارك أو العقيد القذافي، فإن الملك السعودي الثمانيني، كان لديه ما يكفي من أموال النفط لشراء هدوء المحتجين.

 

وقد تمكن من تهدئة الغضب الذي اشتعل في البلد من خلال زيادة الإعانات، وزاد بشكل كبير فرص العمل في القطاع العام مع إعلان برامج الإنفاق الحكومي الضخمة وغير المسبوقة. وحتى الآن، كانت هذه طريقة سريعة وفعالة لإبقاء الجماهير بعيدا عن الشوارع.

 

ولكن هذا ليس دليلا على مرونة ملكية، كما جادل بعض الدبلوماسيين الغربيين والأكاديميين.

 

على العكس من ذلك، فإن إستراتيجية التزود بالموارد في السعودية ليست إلا استجابة لارتفاع موجات السخط في جميع أنحاء المنطقة، وأن دافعها خوف عميق الجذور من أن الشعوب الثائرة على امتداد العالم العربي يمكن أن تثير الاضطراب في مناطق قريبة من المملكة.

 

وعلاوة على ذلك، فإن الإنفاق من أجل الاستقرار في السعودية ودول الخليج الأخرى لن يدوم، بالضرورة، طويلا. وتعهدت المملكة بتخصيص رقم قياسي لتحقيق “ارفاه” في هذا العام (500 مليار دولار)، وأكثره أُعلن أنه سينفق على إعانات الضمان الاجتماعي وفرص عمل جديدة في القطاع العام.

 

ويرى الكاتب أنه لا يمكن أن تستمر عملية توزيع هذه الثروة الهائلة لفترة أطول من ذلك بكثير. إذ إن هذا المستوى من الإنفاق العام ليس مستداما، وأنها سيتطاير في وجه عقود من الجهود الرامية لتعزيز المحاسبة المالية في المملكة والمطالبة بحياة كريمة بعيدا عن الصدقات والمكرمات.

 

ومع تراجع احتياطيات النفط، والارتفاع السريع لاستهلاك الطاقة المحلية وزيادة تنويع إمدادات الطاقة بين حلفائها، فإن الإنفاق المتصاعد في المملكة سيرفع بشكل سريع أيضا سعر التعادل (التوازن) لبرميل النفط بالنسبة للسعودية وكل دول الخليج الأخرى؛ وبعبارة أخرى، فإن سعر برميل النفط الذي تحتاجه هذه الدول لتحقيق التوازن يزيد في كل مرة. ففي البحرين، مثلا، يجاوز الآن 115 دولارا (أعلى بكثير من سعر أمس حوالي 102 دولار).

 

في البحرين وسلطنة عمان، مثلا، فإن الاعتماد على ارتفاع أسعار النفط أصبح محفوفا بالمخاطر، بينما في الملكيات الصغيرة الغنية بالنفط، بدأ الوزراء يتحدثون صراحة عن سعر التعادل (التوازن)، وهذا لا يمكن تصوره قبل سنوات قليلة. في أوائل أكتوبر، تلقت الكويت تحذيرا من صندوق النقد الدولي، قيل إنه كان لكبح جماح الإنفاق على الرعاية الاجتماعية ووظائف القطاع العام وزيادة الدخل غير النفطي في أقرب وقت ممكن.

 

ويرى الكاتب أن ما هو أسوأ بكثير بالنسبة للأسر الحاكمة في الخليج من الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، هو أن حملاتها القمعية في مواجهة الاحتجاجات بدأت الآن تؤثر بشكل واضح في شرعيتها.

 

وكما هي الحال بالنسبة لاستراتيجية الإنفاق السخي، يقول الكاتب، فقد تمكنت هذه الدول من خلال القمع من شراء بعض الوقت ولكن بتكلفة باهظة تتكبدها شرعية الحكام. قد تفلح إجراءات فرق تسد، مثل إشاعة التوترات الطائفية وتوجيه اللوم لجهات أجنبية، في تحويل الانتباه بعيداً عن الأنظمة السياسية الأتوقراطية، ولكن إلى حين فقط. 

 

حينما تفقد “استثنائية” الممالك الخليجية قوة دفعها، وهذا حاصل لا محالة، فإن شعوبها ستكون في وضع يؤهلها للانضمام إلى الحراك الأكبر في المنطقة باتجاه تغيير النظم السياسية القائمة على حساب النخب القمعية غير الخاضعة للمساءلة ولصالح جيل الشباب الأجرأ على الصدع بالحق والمتسلح بدرجة عالية من الوعي السياسي والتواصل فيما بينه. 

 

Exit mobile version