سُميت الثورات العربية التي تفجرت في مطلع عام 2011
بـ”الربيع العربي”. غير أن مراجعة أحداث تلك الثورات وما سبقها من ثورات تاريخية، تقتضي إعادة النظر في هذه التسمية واستبدالها بتسمية “الخريف العربي”.
قد يكون الربيع هو المحطة الأخيرة التي يسعى إليها الخريف ويهيئ لها، ليصل إليها ويستقر فيها لاحقا، محمولا على عواصف الشتاء وسيوله. إنه فصلٌ وديعٌ متسقٌ ومنسجمٌ مع نفسه. ويعرض مشهد الصفاء والنسيم العليل الذي يداعب بلطف ورقّة سنابل الحقول المطمئنة وزهورها. وهو مشهد الحلة الخضراء التي تكتسي بها الأشجار والمروج بعد أن خلعتها عنها رياحُ الخريف وزخات الشتاء.
أما الخريف، فهو فصل الاضطراب والعواصف التي تعرّي الأشجار والسهول، وتزيح عن الأشياء أقنعتها، وتكنس نفايات الشوارع والساحات، وتمسح الغبار عن الوجوه المستعارة. إنه مشهد السماء المتلبدة بالغيوم التي تهيء الأرض لموسم الهطل وتحذّر ضفاف الأنهار والوديان من احتمالات الفيضان. إنه موسم تغيير الأشكال والألوان وخلط الأوراق.
وكما ينشر الخريف ثقافته المطبوعة على أوراق الأشجار التي تذروها رياحه في كل مكان، تنشر الثورة شعاراتها وأفكارها المحمولة على الجدران واللوحات والشبكات الاجتماعية في بقاع الأرض. وكما تكافح أوراق الأشجار رياح الخريف فتصمد طويلا وتتساقط تدريجيا، وكما يكافح الرماد أنفاس الخريف الجارفة من أجل الإبقاء على مدفونه من الحصى لفترة أطول، هكذا تستميت قوى الوضع القائم دفاعا عن بقائها أمام ضربات ثورة التغيير.
الخريف مخاض طويل. وعلى مدى ما يتخلله من صخب واضطراب، يظل يطعم الأرض خصوبة وقدرة على الإنجاب. ومع أنه يجعلها تبدو جرداء لبعض الوقت، فإنه يهيئها لميلاد جديد في ربيع مشمس قادم.
هكذا تمثل الثورة أيضا مخاضا طويلا، مصحوبا بكل أشكال المعاناة والتضحيات والدماء، حتى ينتهي بها المطاف إلى موعد مع ربيع الشمس والقمح والياسمين.
يوسف حمدان – نيويورك