باتت بوادر التقارب الأمريكي…
باتت بوادر التقارب الأمريكي الإيراني سبباً كافياً يدفع السعودية للبحث عن تحالف إقليمي جديد، يمكنها من خلاله الحفاظ على مكانتها عربياً وإقليميا، واعتبار هذا التحالف ورقة ضغط ترد اعتبارها فيما يخص أي تصعيد يهدد مصالحها بالمنطقة، هكذا رأى خبراء سياسيون عرب الخطوات التالية للرياض متوقعين أن تخوض معركة البحث عن خيارات بديلة عن الإدارة الأمريكية.
ورغم الشراكة التي تجمع بين واشنطن والرياض، لكن جاء رفض السعودية لتسلم مقعدها الغير دائم في مجلس الأمن الأسبوع الماضي، بحسب دبلوماسيين دوليين، ليكون بمثابة رسالة احتجاج مباشرة – تبتعد عن الأسباب المعلنة الخاصة بعدم أداء مجلس الأمن لواجباته بشكل فعلي وعملي – من الرياض تجاه التقارب بين واشنطن وطهران.
وترى هذه المصادر الدبلوماسية أن السعودية تدرس حاليا خياراتها بشأن الخطوات التالية للتعامل مع التقارب الأمريكي الإيراني، في مشهد يبدو مشابها نوعا ما لما حدث خلال الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين أول 1973 عندما فرضت منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) وفي مقدمتها السعودية حظرا نفطيا على واشنطن والغرب، احتجاجا على الدعم الغربي لإسرائيل.
ويعتبر مراقبون أن التقارب الأمريكي الإيراني له إشارات واضحة ظهرت مؤخرا خلال اجتماعات الدورة الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، حين تبنى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، مواقف وصفوها بالأكثر مرونة حيال “الملف النووي لبلاده”، وهو ما يدفع بتوقعات حول وجود حلول توافق طهران من جهة والمجتمع الدولي ممثلا في مجموعة5+1 من جهة اخرى.
سعد الحديثي، الخبير السياسي العراقي، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، رأى إن “السعودية تشعر بخيبة أمل حاليا، بعدما كان تعول على الغرب والإدارة الأمريكية على وجه الخصوص في الملف السوري، عبر توجيه واشنطن لضربة عسكرية لنظام الأسد، لكن هذا لم يحدث، وزاد عليه التقارب الأخير بين واشنطن وطهران، الذي يثير مخاوف السعودية من أي يأتي هذا على حساب مصالحها”.
و في تصريحات خاصة للأناضول عبر الهاتف من بغداد، قال الحديثي إنه “بالرغم من أن المنظومة الخليجية والسعودية على وجه الخصوص اعتمدت وضع البيض كله في سلة أمريكا باعتبارها راعية للمصالحة والتصدي للمخاطر الخارجية لكن هذا لا يمنع أنه في حال انتقال أمريكا من انحيازها للرياض إلى الحياد بين الطرفين (الخليجي والإيراني) على حساب مصالح الرياض، فستتخذ الرياض خطوات جادة، أبرزها البحث عن محور معتدل في المنطقة لمواجهة طهران، قد يتمثل في تركيا، وتهو ما قد يؤدي لأن تنفتح أكثر على تركيا بشكل كبير للتعويض”.
وتابع الحديثي “كما ستحاول الانفتاح اقتصاديا وتسليحيا مع الصين وروسيا، وربما يدفعها الأمر في تشكيل تحالف عسكري مع تلك الدول، إلى جانب محاولة التقارب مع الرؤية التركية لتأهيل العلاقة بينهما في إطار التحالف قد يمتد لمصر، وبالتالي تمتلك ورقة ضغط على الإدارة الأمريكية”.
من جانبه، قال المحلل السياسي الأردني جواد الحمد، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بعمان إن “الرياض في السنوات الأخيرة لم تتمكن من الاستفادة من علاقتها مع التيار الإسلامي في اليمن، أو وجود جماعة الإخوان المسلمين في الحكم بمصر، وكذلك غضت الطرف عن تطوير العلاقات التركية الخليجية كما أنها ابتعدت عن ملف المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فهي تقف حالياً بلا أوراق ضغط وهو ما سيدفعها إلى خيارين، إما القيام بتحالف إقليمي مع دول مثل مصر وتركيا أو تحريك أوراق ضغط أقل ثقلا لكن تعطيها تأثير ووزن إقليمي مثل السعي لمصالحة بين القيادة الحالية في مصر وقيادات الإخوان على غرار ما فعلت في اليمن، وكذلك البحث عن فرصة لدعم المقاومة الفلسطينية وإعادة علاقتها بحماس″.
الحمد قال للأناضول عبر الهاتف إن “الرياض في المحصلة ستبذل كل ما في وسعها لاسترجاع مكانتها في المنطقة لمواجهة نفوذ طهران التي قد تمتد إلى ما هو أبعد من التقارب بين الولايات المتحدة وطهران”، وفي هذا السياق خلص إلى انها ستسعى لترميم ما وصفه بـ”الأوراق العربية والإسلامية”.
واتفق مع الحديثي في أن علاقة الرياض مع كل من أنقرة والقاهرة ستشهد في الفترة القادمة “قفزة نوعية” وسعي بكل السبل لتعميق العلاقات مع تركيا على وجه الخصوص.
أما محمد عباس ناجي، الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة اعتبر من جهته أن “الرياض تشعر بتوجس حيال مواقف الولايات المتحدة، فضلاً عن وجود أزمة ثقة بينها وبين الإدارة الأمريكية لمواقفها من اندلاع الاحتجاجات في البحرين العام الماضي، وحالياً هناك تصاعد لهذا التوجس من جانب الرياض بسبب تقارب واشنطن مع طهران”.
وأوضح عباس ناجي أن “هذا التقارب لا يحفظ مصالح السعودية في المنطقة فضلا عن الخلاف في ملفات جوهرية تتعلق بوجود إيران في العراق واليمن والأهم سوريا، فضلاً عن مخاوفها من المد الشيعي في المنطقة الذي يسعى إليه رجال الدين الإيرانيون منذ اندلاع الثورة الإسلامية 1979″.
وعن رد الفعل السعودي إزاء ذلك الوضع، توقع عباس ناجي في تصريحاته الهاتفية للأناضول أن “تبدأ الرياض في تنويع خيارتها سواء الإقليمية أو الدولية، فعلى الصعيد الإقليمي ستلجأ إلى شركاء أبرزهم تركيا ومصر، وعلى الصعيد الدولي رغم اختلاف الموقف من الأزمة السورية بين الرياض وبين الدب الروسي، لكن في النهاية ستسعى لتشكيل تحالفات مرنة مع روسيا والصين العضوين الدائمين بمجلس الأمن الدولي”.
ومتفقاً مع جواد قال عباس إن “ربما تبحث الرياض عن شركاء أخريين في منظومة التسليح لكن هذا الملف على وجه التحديد لن يمس حيث من الصعب على الطرفين واشنطن والرياض تعويض كل منهما للأخر في صفقات الأسلحة”.
وعن مستقبل مؤشرات التقارب الإيراني الأمريكي، طرح سعد الحديثي عدة تساؤلات بشأن ما يصفه مراقبون بانه “تقارب” بين واشنطن وطهران، قائلاً: “علينا أن نفهم ما إذا كان الموقف الإيراني يمثل تحولاً فعلياً في السياسة الخارجية، أم مجرد تكتيك مرحلي من طهران لتلافي العزلة التي تعيشها، أم أن هذا التقارب بداية لمرحلة جديد في كيفية التعاطي مع الغرب؟”.
وعن الموقف الأمريكي من هذا التقارب، يشير الحمد إلى أن الإدارة الأمريكية شعرت أن طهران صارت لاعبا إقليميا فاعلا خاصة أنها “باتت تسيطر عمليا على الوضع في سوريا والعراق ولبنان واليمن”.