بعد أن خَفَتَ صوت أصدعاء الشعب السوري واكتشفت غالبية الدول ذات النوايا الحسنة أن مؤتمرات أصدعاء الشعب السوري ما هي سوى حملة دعاية لاستمرار الصراع ليس إلا ، لذلك انسحبت بصمت وانخفض عدد الدول ليقتصر على 11 دولة هي: (بريطانيا ومصر وفرنسا والمانيا وايطاليا والاردن وقطر والسعودية وتركيا والامارات العربية المتحدة والولايات المتحدة) وممثلين عن المعارضة السورية ترأسهم أحمد الجربا ونوابه الثلاثة فاروق طيفور وسهير الأتاسي وسالم المسلط ؛ في «لانكستر هاوس» في العاصمة البريطانية.
وخير ما صدر عن هذا المؤتمر هو اللاءات الخمسة التي أسمعها رئيس الائتلاف للمشاركين قبل الموافقة على حضور مؤتمر «جنيف – 2» المتوقع في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
وعلى رأس هذه اللاءات هو تمسك «الإئتلاف الوطني» السوري المعارض بموقفه الرافض للمشاركة في النسخة الثانية من مؤتمر جنيف إذا لم يكن الهدف هو رحيل الطاغية بشار الأسد عن السلطة وتسليم الحكم إلى هيئة انتقالية.
ويبدوا من خلال البيان الختامي، أن المؤتمر خرج بالتوافق على أن «الأسد ومساعديه القريبين الذين تلطخت أيديهم بالدماء لن يكونَ لهم أي دور في سورية»، وأنه «ينبغي المحاسبة على أفعال ارتكبت خلال هذا النزاع».
لكن هذا التوافق لم يكن يعبر عن الموقف الحقيقي لوزير خارجية امريكا والذي قال عقب انتهاء الاجتماع : إنه «من دون حل تفاوضي فإن المجزرة ستستمر» في سورية.
وأضاف بحسب ما أوردت «فرانس برس» أن «عملنا نحن، الدول الـ11 التي تشكل النواة الصلبة، هو بذل ما في وسعنا لمساعدة المعارضة بحيث تتمكن من التفاوض بفاعلية». وتابع كيري: «هذا الأمر مأساة وهو اليوم إحدى أكبر المآسي في العالم. نعتقد أن طريق الحرب سيؤدي فقط إلى تفكك دولة سورية».
أما وزير خارجية بريطانية وليام هيغ، فقد صرح أن: «اصدعاء سورية» متوافقون على ضرورة الا يضطلع الرئيس بشار الاسد «بأي دور في الحكومة المقبلة»، مؤكداً أن هذا الامر حظي بـموافقة شاملة» الثلاثاء في لندن.
وقال إن المجتمعين توافقوا على «عدد من الخطوات المهمة» بينها ان «لا يكون للأسد أي دور في الحكومة السورية المقبلة».
وطبعا هذا ما نفاه الأخضر الابراهيمي مندوبهم الجوال في المنطقة حيث اعتبر ” أن الكثير من المحيطين ببشار يرون في ترشحه لولاية جديدة أمرا محتما، معتبرا أنه يمكن أن يساهم في المرحلة الانتقالية “
حيث بدت ثوابت الابراهيمي تتعارض مع لاءات المعارضة خاصة عندما ابدى حذره من مشاركة المعارضة في مؤتمر جنيف2 ؛ وكلامه عن أن بشار تحول من منبوذ الى شريك فاعل بعد تسليمه الكيماوي، وعن مشاركة ايران في مؤتمر جنيف2 بأنها طبيعية وضرورية .
وباعتقادي أن الابراهيمي أتى إلى المنطقة وأدلى بتصريحاته تلك محاولاً خفض توقعات رئيس «الإئتلاف الوطني» من جنيف2 ، الذي قال إن الثورة السورية «ملّت من المجتمع الدولي» بعد وعوده المتكررة التي لم تتحقق.
والذي شن هجوماً لاذعاً على إيران التي يحرص اصدعاء الشعب السوري والابراهيمي على وجودها في مؤتمر جنيف2 ؛ متسائلاً : ” كيف يمكن أن تشارك في المؤتمر في حين أنها هي الداعم الأساسي لبشار الأسد. ويـــــقاتلون إلى جــــانبه ، و يحصل من خلالهم على الـــــمقاتلين و الدعم المالي”.
و «كيف نشرح لشعبنا مذبحة الذيابية على أيدي مرتزقة إيران قبل أيام»،«إننا نعتبر إيران بلداً محتلاً لسورية. فحزب الله ولواء أبو الفضل العباس والحرس الثوري (هم من يقاتل ضد الثوار). وهناك أكثر من 60 الف مقاتل تابعين لإيران يقاتلون في سورية».
و لأن الجربا أدرك حقيقة موقف أصدعاء الشعب السوري من جهة وأدرك موقف الثوار على الأرض من جهة أخرى لذلك قال: «لو مشينا (إلى جنيف-2) لن يصدقنا شعبنا» الذي «سيصنّفنا خونة للثورة والثوار لو قلنا نعم لجنيف 2».
وتابع: «طالبناكم (الغرب) بمجرد حظر جوي أو ضربة رادعة لنظام سفك الدماء (لكنكم لم تفعلوا) فكيف تريدوننا أن نحضر!».
وقال: «بصراحة أقول: إذا كانت دول تشعر بحرج انساني (إزاء ما يحصل في سورية) وتريد أن تغسل أيديها فتورطنا (بحل مع النظام) فستسمع منا خمس لاءات».
«لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف، لا تراجع، ولا لمجتمع دولي عاجز. أما إذا كان المراد إيجاد مخرج لرحيل المجرم بعد تسليم السلطة ومحاكمة مجرمي الحرب من أي جهة كانوا أو أتوا فألف أهلاً بجنيف2».
وتابع لا يمكن أن ينجح جنيف-2 بدون ثوابت منها: تأمين ممرات إنسانية خصوصاً للمناطق المحاصرة وتحديداً في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق وحمص القديمة، وإطلاق سراح السجناء وفي طليعتهم الأطفال والنساء، قبل بدء التفاوض. ثم لا تفاوض من جهتنا إلا على انتقال السلطة ورحيل السفاح. ووضع جدول محدد للتفاوض، ووضع شروط لتنفيذها بموجب الفصل السابع».
وطبعا موقف الابراهيمي اليوم أتى مدعوما باتفاق أمريكي روسي على ضرورة عقد مؤتمر (جنيف-2) في محاولة لإنهاء صراع قتل فيه أكثر من 150 الف شخص وأجبر ملايين على النزوح من ديارهم، لكنه في نفس الوقت يدرك حجم العقبات الضخمة التي تحول دون تحديد موعد لانعقاده.
أولها خلاف زاوية النظر الى المسألة بين روسيا وأمريكا والغرب:
فروسيا تريد بقاء حليف لها استراتيجي في المنطقة ؛ والابقاء على منطقة النفوذ الوحيدة المتبقية لها في البحر المتوسط ؛ لكنها تتفق مع أمريكا في محاربة كل ما هو اسلامي في المنطقة لذلك هم يعتبرون أن كل استدامة للقتال بين محاور (( الشر)) هي مكسب عظيم بالنسبة لهم، وأقصد طرفا القتال السني الشيعي؛ ولحليفتهم اسرائيل ؛ ولمخططاتهم في تفكيك وتشكيل المنطقة كيفما يشاؤون في المستقبل القريب ؛ بعد انهاك جميع القوى المتحاربة على الارض.
أما أمريكا فهي تنظر بعينين اثنتين : الأولى هي عين ربيبتها اسرائيل ومصلحتها في اضعاف أي قوة محتملة مستقبلا في صراعها مع العرب.
والثانية هي استعادة النفوذ على كامل المنطقة دون تسجيل أي خسارة مادية أو بشرية ، والتي عانت منها سابقا في كل من أفغانستان والعراق.
أما اللاعبين الغربيين وعلى رأسهم فرنسا وبريطانيا فينتظرون ما تجود عليهم امريكا وروسيا من فتات موائدهم كي يستعيدان جزءا من نفوذهم المفقود .
يبقى في المسألة كيف يمكن لتلك القوى أن تتحكم بعناصر القتال على الأرض وخاصة أن المكون الرئيسي للثورة المسلحة هي من الكتائب الاسلامية التي تصنفها روسيا والغرب على أنها قوى متطرفة ويجب محاربتها ، واقصائها عن العملية السياسية.
والتي يحاول الغرب استمالة الكتائب المعتدلة من وجهة نظره وتهيئتها لقتالهم في المرحلة المقبلة ، وهذا ما رفضته معظم تلك الكتائب وكانت السبب الرئيسي في تأخير فرض الحلول الغربية على الساحة السورية.
وهذا ما صرح به وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ: « إنه من المهم ان تنضم جميع عناصر المعارضة السورية المدعومة من الغرب الى المحادثات».
وقال لراديو هيئة الاذاعة البريطانية: «إذا لم يكونوا جزءاً من العملية السياسية فلن يكون هناك خيار أمام الشعب السوري سوى الاختيار ما بين الاسد والمتطرفين».
وباعتبار ان فصائل المعارضة ترفض بحث أي شيء بخلاف الرحيل الفوري للأسد الذي قال يوم الاثنين إنه لا يرى سبباً يمنعه من خوض الانتخابات مرة اخرى العام المقبل.
لذلك جاء تصريح كيري «انني لا أعرف أي طرف يعتقد ان المعارضة ستوافق أبدا على ان يكون بشار الاسد جزءا من الحكومة».
وأضاف «اذا كان يعتقد انه سيتمكن من حل المشاكل من خلال الترشح لينتخب مرة اخرى فإنني اقول له … هذه الحرب لن تنتهي».
وطبعا الجميع سواء كانوا من اصدعاء الشعب السوري أو أصدقاء النظام السوري بما فيه مندوبهم السامي مقتنعون على ضرورة اقناع الجميع بما فيهم إيران بضرورة تأييد حكومة انتقالية مقترحة في سورية تضم شخصيات من حكومة الأسد والمعارضة كوسيلة لإجراء حوار سياسي وانتخابات حرة حسب زعمهم !.
لكن هل سنبيع كل هذه الدماء و الخراب و التهجير …..للوصول إلى حل سياسي غير مرضي لوقف معاناتنا؟.…
ام مازال علينا أن ندفع ضعف هذه الدماء و الخراب و التهجير ……للوصول الى نصر يتوج بحل سياسي مشرف؟….
أم بات علينا أن نختار بين أن نقتل على يد جلاد الشام أو في عرض البحر المتوسط في مثلث موت لامبيدوزا ؟…
أعتقد جازما أنه بات من المربح جدا للشعب السوري أن يجتمع مع بعضه أولا ويقرر ماذا يريد؛ قبل الاختيار بين مثلث لامبيدوزا أو مثلث جنيف2 ؛ ففي ذلك حفظ للكرامة ونصر للثورة.
الدكتور حسان الحموي