أرشيف - غير مصنف

أصحاب مناصب مرموقة في مصر يتحولون إلى سائقي تاكسي

يقفون على جانب الطريق،…

يقفون على جانب الطريق، مستجيبين لتلك الوجهة التي تقصدها، يتحاشى النظر إلى عينيك، ويركزون على ما تبقى لديه من مهارة القيادة لتفادي الزحام، ليصبحون بذلك “سائق تاكسي” (سيارة أجرة)، بعدما كانوا يشغلون مناصب مرموقة، ويستقلون سياراتهم الخاصة في شوارع العاصمة المصرية القاهرة.
إنهم نوعية جديدة تشهدها شوارع القاهرة حاليا من سائقي التاكسي.. فالمهنة لم تعد تضم فقط أصحاب الشهادات المتوسطة أو الأقل فحسب، بل باتت تضم “نخباً” فقدوا “مناصبهم”؛ جراء الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها بلادهم، منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق، حسني مبارك.
“أصحاب مناصب” سابقاً أو “سائقو التاكسي” حالياً، وحدهم الذين يتحاشون النظر إلى عين “الزبون” لا لشىء عدا خوفهم من أن يكون قريبا لهم أو أحد المحيطين بعمله في السابق، هذا ما أفصح عنه محمد رأفت ذلك الرجل الأربعيني، الذي كان يقود سيارته الخاصة في أحد شوارع وسط القاهرة، بعدما حولها إلى سيارة تاكسي.
رأفت – الذي رفض بشدة ان يتم تصويره – يسرد لوكالة الأناضول قصته فيقول “كنت أعمل مديرا عاما لأحد المطاعم الكبرى في شرم الشيخ (منتجع سياحي في سيناء، شمال شرقي مصر) لكنني منذ أقل من عام اضطررت إلى تغيير مهنتي بسبب تخفيضهم لراتبي 50%، ثم بعد ذلك قالوا إنهم سيخفضونه مجددا، فوجدت نفسي في نهاية الشهر أحصل على ألف جنية (145 دولار) بدلا من 10 آلاف جنية (1453 دولار)، وقتها قررت أن أترك المهنة التي التحقت بها قبل 13 عاما”.
رأفت، الذى لا يمكن أن يتصوره أحدا سائق تاكسي، خاصة عندما يومئ برأسه حين يوجهه الزبون لطريق بعينه أو يطلب منه اتخاذ اتجاه محدد، يقول للأناضول “أشعر أنني لست سائقاً، فهذه المهنة مؤقتة بالنسبة لي، لكن أكثر ما أخافه أن ألتقي أحداً من أصدقائي أو أقاربي، لدرجة أني أخفي سيارتي الأجرة في جراج (مرأب للسيارات) بعيد عن منزلي حتى لا يعلم أحد أنني أصبحت سائق تاكسي، لا يمكنني مواجهة أحد بذلك”.
يتابع رأفت: “دائماً أسأل زملائي عن فرص عمل بحجة أنها لآخرين ولا أخبرهم أني أبحث عن عمل، هم يعرفون أنني أدير حاليا مشروعا كبيرا وأنني بصدد فتح أحد المطاعم، يشبه كثيراً المطعم الذي كنت أديره منذ أشهر”.
ورغم التحول المعيشي الذي يعيشه رأفت لكنه بدى متمسكا ببقائه في البلاد حيث يقول: “لا أكرهها ولا أحبها، مصر لم تؤذيني كما أنها لم تنفعني بشيء، لكن أتمنى أن يتحسن حالها في القريب، فبسبب تدهور السياحة تركت عملي”.
وتعاني مصر من تراجع حركة السياحة الوافدة إلى البلاد، عقب الأحداث التي واكبت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، زادت حدتها عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، في 3 يوليو/تموز الماضي، وما أعقبه من انقسامات حادة حول تلك الخطوة وما أعقبها من توترات سياسية، حيث بلغت نسبة التراجع، بحسب هشام زعزوع وزير السياحة المصري، إلى نحو 85%، في شهر أغسطس/آب الماضي، في أعقاب فض قوات الأمن اعتصامين لمؤيدي مرسي في ميداني “رابعة العدوية” و”نهضة مصر” بالقاهرة في 14 من نفس الشهر.
ويشبه رأفت أيضا “أبو فيروز″، كما يحب أن يلقب نفسه، ذلك الرجل البالغ من العمر بضع وخمسون عاما ويعمل حالياً على سيارته الخاصة بعدما كان صاحب مصنع لمنتجات التحف.
ويقول أبو فيروز للأناضول: “اضطررت لغلق المصنع خاصة بعدما وجدت نفسي أخسر المال، فلم أعد أكسب الآلاف كما كان في السابق، فقررت أن أحول سيارتي لتاكسي حتى لا أضطر إلى الجلوس في المنزل”.
أبو فيروز مازال يفضل أن يعمل دون أن يأخذ أموالا من أولاده، ولأن ابنته “إعلامية كبيرة” كما يقول، فلا يفضل أن يفصح عن شخصيته أو يتم تصويره، ويقول: “زبائن كثر يقولون لي حين يتبادلون اطراف الحديث معي: أنت لا يمكن أن تكون سائق تاكسي، فابتسم لأنني أعرف أن دوام الحال من المحال، ومن المؤكد أنني سأعود لمهنتي بعدما تنصلح الأحوال، وحتى لو بقيت كما أنا ففي النهاية أنا أقوم بمهنة شريفة وهذا هو المهم”.
واختلف رأفت وأبو فيروز بشأن تلك المصاعب التي يواجهها كل منهما في مهنتهم الجديدة كسائق تاكسي، فيقول رأفت إن المشكلة في الدخل الذي لا يوازي ما كان يحصل عليه في السابق كما أنه دخل يومي لا يتبقى منه شيئا لليوم التالي.
وشبه رأفت سيارته بالـ”المنزل الثاني” الذي يتطلب مصاريف تصليح وصيانة لكي يستطيع الإنفاق على منزله الأول وأولاده، أما أبو فيروز فيجد أن العائق الأكبر هو “في نظرة المجتمع لسائق التاكسي، فهم يرونه في منزلة أقل، لكن الآن أشعر أنهم بدأؤوا يغيروا نظرتهم له”.
أما سامح المصري الذي كان يرتدي ملابس سيمي كاجوال (ملابس عصرية)، بدا عليه أنه يجمع بين مهنته القديمة كمدير سابق لإحدى الشركات السياحية وبين مهنته الجديد كسائق تاكسي، فيقول “ما لا أتصوره كيف كان يسعى الجميع لإرضائي وأنا في عملي القديم بينما الآن أقوم بقيادة سيارة تاكسي”.
يتابع المصري الرجل الأربعيني فيقول متأثراً أنه “لم يكن ليتخيل يوماً أن يضطر لتغيير مهنته، فالجميع كان يردد على مسامعه “حاضر يا أفندم” لتتبدل الأدوار على حد قوله بعدما خسر أمواله في أحد المشروعات التجارية إلى جانب عمله فاضطر إلى بيع سيارته والعمل على سيارة صديق له”.
ورغم أن المصري وأبو فيروز ورأفت بدوا منزعجين مما آل إليه حالهم، إلا أن أحمد شاهين المهندس الشاب الذي حصل على منحة دراسة في الخارج، حيث حصل على الماجستير، بدا مرتاحا لمهنته كسائق سيارة أجرة.
ويقول شاهين: “في الأصل هذه سيارة العائلة وقررت أن أحولها إلى سيارة أجرة لكي نستفيد بها خاصة أنني لم أجد عملاً مناسبا في مصر منذ عودتي، وجميع المهن لا علاقة لها بتخصصي, لذا أعمل فيما هو متاح حالياً”.
شاهين يتابع للأناضول: “أعمل سائق تاكسي وغدا أحصل على منحة أخرى لكن وقتها لن أفكر في الرجوع للبلد إلا إذا كان معي مبلغا من المال يؤمن لي مشروعا أو مكتبا هندسيا”.
أحمد والبقية، نماذج لعشرات من سائقي التاكسي، الذين من السهل التعرف عليهم في شوارع القاهرة ليس من صوت المطربة اللبنانية الشهيرة فيروز الذي يصدح من مذياع سيارتهم، لكن أحيانا من عبارتهم المهذبة حين يستوقفهم زبون: “اتفضل سيادتك يا أفندم”.
(الاناضول)

زر الذهاب إلى الأعلى