لقد أجمعت جميع التيارات السياسية بتونس على أهمية الحوار الوطني الجامع لجميع الأطراف المتنافسة على الحكم للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة و توافقت على تشكيل حكومة كفاءات جديدة غير مسيسة وغير متحزبة تقود المرحلة المقبلة وأن ذلك من شأنه أن ينقذ الوضع الاقتصادي من مزيد التردي والانهيار حتى لا تصبح الدولة ذاتها مهددة بالسقوط والاندثار .
هذا الاجماع الوطني على أهمية الحوار لم يخلو من سؤء نية وحسابات سياسية ضيقة لبعض التيارات التي أرادت عن قصد وإضمار من خلال هذا الحوار إفتكاك مساحات من السلطة لم تستطع الحصول عليها عبر الطرق الشرعية المتمثلة في صندوق الانتخاب فاختارت منهج المخاتلة والمناورة عبر ترفيع سقف مطالبها لمستويات تعجيزية وهي التي لا تملك من الشعبية والجماهيرية إلا بضع ألأنفار الذي لا يملئون قاعة أفراح أو حتى وسيلة نقل جماعية كالحافلة والباص
من العناوين الرئيسية لما يسمى الحوار الوطني هو التوافق السياسي وإنقاذ الاقتصاد ويحق لنا في هذا الاطار طرح الاسئلة الحارقة التي يتجاهلها أصحاب الحوار فكيف يمكن تحقيق توافق سياسي ديمقراطي مع أطراف هللت وزغردت بصوت عالي لانقلاب العسكر في مصر واعتبرته استجابة لرغبة الشعب وأصدرت في ذلك تصريحات وبيانات موثقة تؤيد الانقلاب على المسار الانتخابي ولم تكتف بذلك بل بعثت برسائل مشفرة ولكنها واضحة ومفهومة باتجاه الجيش التونسي تارة وباتجاه الأجهزة الامنية تارة أخرى لاستدراجه للانقلاب ونحن نتساءل ماذا يفعل هؤلاء المجرمين على مائدة الحوار وهم دعاة انقلاب ولا محل لهم من الإعراب .
إن ماكينة الاقتصاد التونسي تم تعمد تعطيلها مع سابقية الترصد والإضمار في عملية مقصودة لضرب الاقتصاد وتم استنفاذ كل الطرق الخبيثة والماكرة لتجويع الشعب والمساهمة في ضرب كل التوازنات الاقتصادية والمالية مستعينين في ذلك ببقايا أجهزة قديمة فاسدة ورثناها من عهد المخلوع ( إدارة إعلام قضاء أمن ) وكل ذلك من أجل وضع الشرعية أمام الامر الواقع وإجبارها على التنازل على مائدة الحوار بل ووصلت بهم الحماقة والسفاهة السياسية الى درجة الحديث عن ( الخروج الآمن من السلطة ) وذلك حتى يصبح الانقلاب أمر واقع لا مناص ولا مهرب منه وهم بذلك يشنون أقوى وأبشع حرب نفسية على الارادة الشعبية بعد عقود طويلة من الاستبداد .
إن اقتراح إتحاد نقابات تونس هدنة اجتماعية لحكومة الكفاأت القادمة يتم فيها وقف الاضرابات والاعتصامات والمطالب المجحفة ليس فيه تعبير عن حسن نية ومبادرة لإنجاح الحوار بقدر ما يدين أصحاب اقتراح الهدنة ويضعهم في مواقف الادانة والاتهام فقد تم اقتراح هذه الهدنة من طرف الرئيس المنصف المرزوقي منذ إعلان نتائج الانتخابات أي منذ عامين من الزمن وقد جوبه هذا الاقتراح حينها بالرفض القاطع و البات كما تعرض المرزوقي على خلفية هذا الطلب بالسخرية والاستهزاء وقال كبيرهم (نحن لسنا في حالة حرب لنعلن الهدنة ) وما إعلانهم اليوم عن استعدادهم لهدنة اجتماعية في هذا التوقيت بالذات لهو دليل إضافي واعتراف كافي وشافي لا يشوبه غموض أنهم كانوا قبل ذلك في حالة حرب شعراء على الشرعية وعلى نتائج الانتخابات بهدف إسقاطها والانقلاب عليها بطرق أقل ما يقال عنها أنها خبيثة ماكرة وغير أخلاقية تستهدف الاقتصاد ولقمة عيش المواطن.
إن الدول المانحة والمؤسسات المالية العالمية كان لها الفضل في إطالة أمد حكم نظام بن علي عن طريق سلسلة القروض الخارجية والمنح المالية ويخطأ من يعتقد أن ذلك نتيجة دراسات تقنية اقتصادية لها علاقة بالمردودية فحسب بل إن هذه الاطراف الممولة الاجنبية لها أجنداتها السياسية التي تريد التحكم في المسارات السياسية وليس أدل على ذلك ما قاله وصرح به رئيس حزب نداء تونس ( الوريث الشرعي لحزب بن علي ) حين قال بوثوق مبالغ فيه (في صورة عدم تقديم الحكومة استقالتها طوعا فإن المساعدات المالية الاجنبية الضرورية من المؤسسات الدولية سوف تتوقف وعندها ستكون الاستقالة كرها مما يفسر نفوذ الدولة العميقة على صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الافريقي للتنمية
وهذه الهيئات قد مرت فعلا لتحقيق المخطط ورفضت مؤخرا تحويل تمويلات أجنبية لتونس بعد أن تعهدت بها ووافقت عليها رسميا.
.فأفهموا هداكم الله لماذا يتحدثون عن الافلاس الاقتصادي والانهيار بطريقة منهجية وأفهموا رحمكم الله هذه الثقة الزائدة للانقلابيين رغم القاعدة الجماهيرية الضعيفة فهم الآن يهددون بضرب الاقتصاد من الخارج بعد أن فشلوا في انهياره من الداخل مستعينين في ذلك بشبكة علاقات عالمية أخطبوطية مع مؤسسات مالية دولية كونوها زمن المخلوع و يتم تفعيلها الآن لفرض أجندات استعمارية .
إنها نظرية الحوار أو الانهيار و هي الحلقة الجديدة لمسلسل الانقلاب الذي بدأ منذ يوم إعلان نتائج الانتخابات والسياسيون في تونس يعتمون ويخفون الحقيقة على الشعب ويكتفون بالقول ( لا بد من إنجاح الحوار و لا حق لنا في الفشل ) لأن وراء هذه الكلمات أجندات خارجية ودولية ستدخل البلاد في متاهات قد يصعب الخروج منها بسهولة .