الاستخبارات الأمريكية سمحت لهتلر بالهروب مقابل التكنولوجيا النازية وسرقة التاريخ و17 عاما إضافية

 يصبح صفقة، ليس فقط حين…

 التاريخ يصبح صفقة، ليس فقط حين يُزور ويكتبه المنتصرون، إنما حين يحكمه التنافس بين الناشر والمؤلف وشهود العيان، في البحث عن المهمة المستحيلة بإلتباس الحقائق، كأن ضياع الأدلة مستند وحيد يبقى عرفا توثيقيا، لصراع الميثولوجيات، وخلود الأساطير.

مع مرور الوقت، تلاشت شخصية هتلر كدكتاتور نازي، لتحل محلها الشخصية التاريخية كمادة بحثية، تحيل على تكهنات واستنتاجات تشت عن بؤرة البحث، لتخوض في جدليات النهايات المفتوحة والتأويلات المتناقضة التي توحد بينها رابطه بلازمية واحدة هي الغواية!

كل الغموض الذي يكتنف رحيل شخصيات تاريخية مؤثرة، هو عماد الوقود الغوائي للانشطارات التأويلية، التي تتفرع عن نواة الحدث.

هتلر لم يمت منتحرا في قبو في منفاه البرليني  يوم  30-4-1945 كما أشيع، على الأقل من وجهة نظر باحثين جدد، يعملون على استقصاء نهايات أخرى، لمعلومات مؤرشفة كوثائق ثبوتية، فأين هي الحقيقة ؟ وهل يكفي البحث وحده ليكشف سرية المستندات الاستخباراتية التي تخبئ التاريخ في قبور احتياطية، لعظماء دفنوا في أضرحة وهمية؟

كشف تقريرفانيسا ثورب للغارديان البريطانية المنشور في تاريخ 27-10،  عن صراع التكهنات والحقائق، التي نشرها البريطانيان جيرارد ويليامز، وسيمون دانستن في كتاب “هروب هتلر، الثعلب الرمادي” 2011  عن دار ستيرلنغ في نيويورك، والتي أفادت بأنه عاش 17 عاما أخرى، حيث رحل عن عمر 73 في 1962، في أمريكا الجنوبية، الأرجنيتين، باتاغونيا تحديدا .وقد التحق بصاحبي المنفى، أدولف إتشمان، وجوزيف مانغل، وعاش مع زوجته إيفا وطفلتيه حياة مستقرة، في جبال الأنديز.

آبيل باستي، الباحث والصحافي الأرجنتيني اتهم المؤلفين البريطانين بالانتحال، حيث استطاع الكاتبان الحصول على معلومات تفيد بأن الاستخبارات الأمريكية هي التي سمحت لهتلر بالنجاة حين غضت النظر عن هروبه مقابل الحصول منه على التكنولوجيا النازية في الحرب، وقد قال أن المعلومات التي احتواها المؤلف  مضللة، بلا أدلة إثبات، في حين أن وليمز صحافي تلفزيوني عمل في رويترز، وسكاي نيوز، وال بي بي سي، وصاحبه دانستن ألف أكثر من خمسين كتابا عن تاريخ الجيوش، وهما حسب دفاع وليامز – ملمان تماما بالقانون،ولا يمكن أن يقدما على الانتحال والتزوير، مؤكدان على شرعية البحث والتقصي، وقد نشرت كتب منذ 1953- 1987 تبحث في تاريخ هتلر، ولم يزل الأمر يحتمل المزيد .

في ظل هذا الاحتدام صرح وليمز أنه سافر وصاحبه للأرجنيتن عام 2007 وأمضى خمس سنوات في البحث والتقصي، وقد استعان بشهود عيان وباحثين منهم باستي نفسه، ولكن باستي بعد نشر الكتاب تهجم على ما شهد عليه .

يبدو أن الصراع الحقيقي لم يكن على الحقيقة، بقدر ما كان على اعتبارات شخصية ظهرت فيما بعد من خلال تصريحات باستي الذي قال أنه وقع عقدا يتنازل فيه عن كل الحقوق لشركة وليامز،مقابل مبلغ مادي، غير ان الظروف التي عصفت بالغرب بعد الانهيار الاقتصادي، دعت لسحب الدعم عن الفيلم فألغي العقد وطالب باستي بكل أبحاثه وأوراقه، وهو الذي عرف المؤلفين على عدد من الناجين مع هتلر ليشهدوا بكل ما يدحضه باستي في الكتاب، ويعترف بأنه انصدم حينما رأى الكاتبين يبنيان كل معلوماتهما على صورة وحيدة لهتلر، لا بل إن المنشور أزعج محرر أمبيتو فايننسيريو، الذي كان ينشر أبحاثا لباستي، مما دعى وليامز لإنكار تعاونه مع باستي والجريدة .

المؤرخ جاي وولترز استنكر ما ورد في الثعلب الرمادي، ساخرا منه على اعتباره هراء عاريا عن الصحة، ولا شيء ثابت، أما نظرية المؤامرة فليس لها مكان في الأبحاث التاريخية .

لسنا باحثتن تاريخيين مثل مستر وولترز، ولكننا نعرف أن المؤامرة كمفهوم وردت أول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920، تم تداولها بعد ذلك في 1960، ثم أضيف المصطلح إلى قاموس أكسفورد عام 1997، مما يعني أن النظرية أصلها مصطلح، والمصطلح لا يخل بالبحث، بل ربما يكون نواته، أو نتيجته .

السؤال الأهم هو، في ظل الصراع على الأحقية بالمعلومة ومقابلها المادي، وأسبقية اكتشافها، ثم شرعية الاستخفاف بها أو إجازتها، هل فعلا استطاع هتلر أن يختبئ من الحقيقة بصفقة نجاة مع الاستخبارات الأمريكية، كفلت لها سرقة التاريخ والاسئثار بالمصطلح !

 

Share on Facebook

Exit mobile version