بقطعة قماش خضراء تعمل كخلفية مثبّتة…
بقطعة قماش خضراء تعمل كخلفية مثبّتة على حائط بثلاثة مسامير، يحاول نشطاء في مدينة دير الزور (شرقي سوريا) فك ما يسمونه “التعتيم الإعلامي” الذي تعاني منه مدينتهم، ونقل أخبار القصف المستمر عليها من قبل قوات النظام.
ومن غرفة داخل مبنى سكني كائن بأحد أحياء المدينة الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر، (طلب كادر القناة عدم الإفصاح عن اسمه خوفا من استهدافه من قبل قوات النظام)، يحاول طاقم قناة “دير الزور الفضائية” المكون من عدد من الناشطين الإعلاميين، الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة إنجاز عدد من البرامج، وتجميع أكبر قدر من مقاطع الفيديو التي يلتقطونها بكاميراتهم الشخصية، وعدسات هواتفهم المحمولة على مدار الساعة لنقل صور وأخبار “مدينتهم المنكوبة” إلى العالم.
ويسيطر الجيش الحر على كامل مساحة الريف الشرقي لمحافظة دير الزور الممتد من أطراف مدينة دير الزور إلى الحدود العراقية شرقا أي على امتداد مساحة تبلغ حوالي 130 كم، كما يسيطر على معظم أحياء المدينة التي لا ينقطع القصف والحصار المفروض عليها من قبل قوات النظام منذ نحو 18 شهرا في محاولة لاستعادة تلك المناطق.
وتشن قوات النظام السوري على المدينة حملة عسكرية ضخمة مستمرة عليها منذ نحو 521 يوماً، وذلك بحسب العداد الذي يوضع بشكل دائم على شاشة القناة، ويتم تحديثه بشكل يومي مع أعداد، وأسماء الشهداء، وأخبار باقي المحافظات، والمناطق السورية، التي تشهد أحداثا مماثلة لما تتعرض له دير الزور.
ويسمي القائمون على القناة، الغرفة الوحيدة التي يجهزون فيها برامجهم بـ”القاعة متعددة الاستعمالات”، حيث يتم فيها تحرير الأخبار، وتحميل مقاطع الفيديو على شبكة الانترنت، واستقبال ضيوف القناة في “الاستديو الوهمي” الذي يتم فيه تصوير البرامج، ونشرات الأخبار قبل إرسالها عبر الانترنت إلى مسؤول البث المقيم خارج سوريا الذي يقوم بدوره بإجراء العمليات الفنية اللازمة من مونتاج (إعادة ترتيب المشاهد) وفلترة (تحسين جودة) الصوت قبل وضعها على قائمة العرض المستمر على مدار الساعة.
ويعتمد “الاستديو الوهمي” على تقنية “الكروما” وهي من الوسائل التقنية الحديثة التي يستعملها المخرج لإعداد ديكور افتراضي للبرامج التلفزيونية، وتقوم فكرتها على تصوير مقاطع الفيديو على خلفية باللون الأخضر؛ بحيث يتم إزالة الخلفية، ووضع صور أو فيديو مكانها.
ويقول القائمون على القناة إنهم يحاولون إنجاح تجربتهم عبر أجهزة موبايلاتهم، وكاميراتهم البسيطة لمجاراة “تضليل” قنوات إعلام نظام الأسد، وذلك بالتقاط وبث أكبر قدر من مشاهد الدمار الذي حلّ بالمدينة، وصور الاشتباكات الدائرة بين الجيش الحر وقوات النظام من أرض الحدث؛ ما أفقدهم عشرات القتلى والجرحى من زملائهم.
مراسل الأناضول، حضر تصوير برنامج “مراسلون من قلب الحدث” التي يقوم الناشطون بإعداده بكادر مكون من شخصين، هما: المذيع الذي يقوم بنفسه بإعداد البرنامج ويشغل منصب مدير القناة أيضاً، إضافة إلى مصور يقوم بتصوير البرنامج بواسطة كاميرا يد صغيرة الحجم، قبل أن يتم إرسال التسجيلات إلى مسؤول البث الذي يقوم ببثها للمشاهدين عبر شاشة القناة.
وخلال أكثر من ثلاثة ساعات تمت إعادة التسجيل عدة مرات كون أصوات قذائف المدفعية، وراجمات الصواريخ كانت تدوي في أرجاء الحي وتطغى على صوت المذيع، إضافة إلى أصوات سيارات الإسعاف التي كانت تقوم بالتجول في الشوارع لنقل المصابين والجرحى الذين سقطوا جراء القصف.
ولم يكن في الإمكان تلافي جميع هذه الأصوات؛ كون الغرفة غير معزولة ضد الصوت كما هي العادة في استديوهات القنوات الفضائية، إضافة إلى أن الميكرفون الموصول بالكاميرا من النوع العادي الذي لا يتجاوز سعره بضعة دولارات، وهو ما قد يصل سعره في الفضائيات الكبيرة إلى مئات إن لم يكن آلاف الدولارات، بحسب القائمين على القناة.
ولم يكن في “الاستديو” سوى مصباح كهربائي واحد متصل بمولد صغير للكهرباء، كون الأخيرة كانت مقطوعة منذ أيام، وهو الأمر الذي يتكرر بشكل دائم في “الأحياء المحررة”، بسبب التضييق والحصار الذي يمارسه النظام على سكان الأحياء الخارجة عن سيطرته.
ويقول مدير القناة بدير الزور الصحفي نورس العرفي، الذي كان يعمل في مجال الإعلام الرياضي المكتوب قبل أن ينخرط في الثورة المندلعة في البلاد منذ آذار/ مارس2011، “إن الغاية من بث القناة من قلب المدينة هو إيصال معاناة الناس ووضع العالم في حجم المعاناة التي يعانيها الأهالي المحاصرون، ووضع الناس بصورة الإجرام والحصار الذي يقوم به النظام”.
وفي تصريحات لوكالة “الأناضول”، تحدث العرفي عن المعوقات التي تواجه عملهم وعلى رأسها: ضعف تمويل القناة التي تعتمد على بعض التبرعات لاستمرار بثها.
وقال: “عبر تجهيزات بسيطة وبإمكانات ذاتية، يواجه كادر القناة القصف وخطر الموت المحيط بالإعلاميين بشكل عام، فضلا عن خوف الظهور أمام الكاميرا من قبل الأهالي؛ بسبب الخشية على باقي أفراد العائلة من بطش قوات النظام خاصة في حال كانوا يقطنون في مناطق لاتزال خاضعة تحت سيطرة النظام”.