تم في بداية هذا الاسبوع تدشين حملة إعلامية جديدة تحت عنوان ( التشكيك في قانون المالية بشتى الطرق والوسائل ) وهي حملة من توجيه وتدبير قاعة العمليات المركزية للثورة المضادة التي طالما تحدثنا عليها في مقالات سابقة والتي تعمل بكل جهد للمساهمة في إرباك الوضع العام بالبلاد والدفع نحو الفوضى خاصة باستهداف الوضع الاقتصادي وبذرف دموع التماسيح على الطبقات الفقيرة والمهمشة والتفنن بالمتاجرة بلقمة عيش الفقراء والمساكين .
وكما جاءت الأوامر من قاعة العمليات المركزية كانت العناوين الصحفية التي تطرقت لقانون مالية 2014 في اتجاه واحد لا ثاني له وذلك لتزييف الوعي العام والإيهام بأن هناك إجماع وطني على كارثية هذا المشروع للمالية العامة وهذه عينة من العناوين : . سامي الطاهري نائب أمين عام إتحاد الشغل يقول : قانون المالية مجزرة شعبية …..زياد لخضر قيادي الجبهة الشعبية يقول إنّ مشروع الميزانية للسنة القادمة هو بمثابة عملية اغتيال ثالثة تستهدف الشعب التونسي ومستقبله وطموحه …. منجى الرحوي يقول: ميزانية2014 هي ميزانية اغتيال شعب ……
إن هذه التصريحات السياسوية التي يطغى عليها المتاجرة والمزايدات تم تطعيمها بمصطلحات جديدة لا علاقة لها بالمالية وبالتحليل التقني الدقيق وهي مصطلحات مستمدة من موضة ( الارهاب ) ولا ندري أي معنى يمكن أن نستنتجه من عبارات … مجزرة … اغتيال… في سياق الحديث عن مسألة اقتصادية إن لم تكن هناك نية مبيتة لمزيد المتاجرة بلقمة العيش ومزيد الترهيب والتخويف والإرباك وهي منهجية تعودنا عليها من أشباه الخبراء وبعض السفهاء في الاعلام على حد سواء..
إن الذين يتباكون على الطبقة الشعبية ويذرفون دموع التماسيح على الزواولة هم كذبة ودجالون ومنافقون ولا يتورعون عن المتاجرة بكل شيء حتى بالأعراض والدماء فما بالك بلقمة عيش المواطن البسيط لأنهم يتجاهلون عمدا وقصدا أن الزواولة الذين يدعون الدفاع عنهم قد تم الاضرار بهم أيما ضرر لما طالبوا هم أنفسهم بزيادة أجور العاملين على حساب المعطلين عن العمل وهم أنفسهم من صفق لقطع الطرقات ووقف إنتاج الفوسفاط ويطربون زهوا كلما سمعوا عن هروب الاستثمار من تونس الى دول مجاورة ومع ذلك لم نسمع لهم ركزا ولم يذرفوا ولو دمعة على الزواولة والطبقة الفقيرة المتضررة من ذلك بل بالعكس سمعناهم يحرضون على الاعتصام العشوائي وعلى على قطع الطرق و وقف آلة الانتاج .
لست بصدد تحليل مساوئ أو محاسن قانون المالية للسنة القادمة ولا ندعي أن مشروع القانون مثالي لا يأتيه الخطأ من بين أيديه أو من خلفه بل إننا نرى الحملة الاعلامية ضد هذا المشروع لا تستند لحقائق اقتصادية ولا تحليلات منهجية بل هي زئير وصراخ بغاية مزيد الانفلات والإرباك وتلاعب باقتصاد وأمن البلاد من طرف ممن لم نعهد لهم خبرة لا في المالية ولا في الاقتصاد بل هم في كل واد يهيمون و يقولون ما لا يفعلون ويستغلون في ذلك الاوضاع الاقتصادية والأمنية التي تتصف بالارتباك والهشاشة .
إنه من المسكوت عنه عمدا في الوضع الحالي إن الانفلاتات الامنية ليست عفوية بل مخطط لها من طرف من لا يريد نجاح مسار الانتقال الديمقراطي وأن الازمة الاقتصادية في جزء منها مرتبطة بالأزمة الاقتصادية العالمية والارتفاع الصاروخي لليورو وفي الجزء الآخر مفتعلة ومصطنعة من طرف من يحرض على وقف ماكينة الانتاج ويعمل على ذلك بشتى الوسائل والطرق من جهة ويتباكى ويذرف دموع التماسيح على الزواولة من جهة أخرى فمثلهم كمثل الذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته باكيا منهمر الدموع …
إن قانون المالية فيه الكثير من الاجراءات والتشريعات التي من شأنها المساهمة في التخفيف على الطبقات الفقيرة ومع ذلك يتم التعتيم عنها قصدا وفيه كثير من الاجراءات التي أتخذت تحت طائلة الوضع الاقتصادي المتأزم وهي إجراءات مؤلمة ولا بد منها كما أن هناك تدابير يمكن مراجعتها وحذفها إن لزم الامر باعتبار أننا بصدد مشروع لقانون غير بات وغير نهائي وسيعرض على المجلس التأسيسي للمصادقة
وتأكيدا لما نقول أستحضر أنه في خلال هذا الاسبوع وفي إذاعة محلية توجه سفيان بن فرحات لوزير المالية بالسؤال قائلا ‘( إن قانون المالية قانون رأسمالي متوحش ) فأجابه الوزير بهدؤء وذكاء ( يا أخ سفيان أنا أتحدث عن قانون المالية منذ ساعة وشرحت لكم كل شيء ويبدو أنك لم تفهم شيئا ) والحقيقة أن سفيان وأمثاله ليسو فقط لم يفهموا شيئا بل هم لا يريدون أن يفهموا وليست لهم القدرة على الفهم ولذلك تكون عبارة (معيز ولو طاروا ) هي الاقرب لفهم سلوكياتهم وإصرارهم على سياسات الرعب التهويل وإطلاق صيحات الفزع وهذا نفس التمشي ونفس المنهج الذي تابعتاه السنة الماضية وهم يحللون قانون المالية لسنة 2013…. فمتى يستوعبون إن هذه الطرق الكارثية جربت من قبل ولم تجدي نفعا … وأن الأولى التخلي عن هذه الطرق البالية ومناقشة الميزانية على ضؤ المعطيات الدقيقة والأخذ بعين الاعتبار الوضع السياسي والاقتصادي الدقيق التي تمر به البلاد …