كان بشار الأسد منذ عام منبوذاً لدى المجتمع الدولي، وكان…
كان بشار الأسد منذ عام منبوذاً لدى المجتمع الدولي، وكان لا يمكن تصور حل سياسي للأزمة السورية تكون حكومته طرفاً فيه، وذلك بالنسبة للعالم الغربي على الأقل. وكان لا يمكن لأحد أن يتصور أن تقوم هيئة دولية أو رئيس حكومة بتوجيه كلمة إيجابية واحدة له ولنظامه، باستثناء قادة روسيا وإيران.
ومع ذلك، فقد حظي الأسد بإشادة على الملأ جاءت من جون كيري، ووجهت منظمة الامم المتحدة لحظر الأسلحة الكيميائية كذلك بعض الكلمات الرقيقة للأسد. ويبدوالآن أن الولايات المتحدة قد انضمت إلى روسيا في الضغط على الثوار للمشاركة في المحادثات المستقبلية، والتي من المرجح أن تميل فيها موازين القوى لصالح النظام (على الرغم من أن هيغ كان قد استبعد مؤخراً أن يكون للأسد أي دور في الحكومة السورية المقبلة).
وباختصار، فإن وضع الأسد الدولي قد تحسن. والحقيقة المحزنة هي أنه قد وصل إلى هذه الحالة ليس بسبب عدم نيته في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، بل لقيامه باستخدمها على وجه التحديد.
بإمكان أي شخص أن يزعم بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها هم الآن أكثر رفقاً بالنظام السوري، وهذا كان نتيجة إدراكهم بأن المشكلة كانت تُثبت بأن حلها هو أكثر صعوبة مما كان متوقعا. وفي الواقع، فقد تبين أن مكاسب الجيش السوري الميدانية الأخيرة قد لعبت دوراً هاماً في تعزيز موقف الأسد الدبلوماسي.
ولكن كما أشار آخرون، فإن الاستخدام العشوائي لغاز السارين هو ما جعل نظام الأسد يستعيد جزءاً من المكانة الدولية التي خسرها في عام 2012. والآن وبعدما وافق الأسد على التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تفكيك ترسانته الكيميائية، فإنه مرة أخرى يعود “للظهور على أنه ممثلا شرعيا لسوريا ضمن إطار دولي”، وذلك وفق ما ذكره المحلل السياسي الألماني أوليفر ثرانيرت.
لقد حقق بشار الأسد هدفين من خلال استخدامه للغازات السامة ضد شعبه: الأول، هو أنه أحرج الولايات المتحدة وأوروبا، وأثبت أن سياسة “الخط أحمر” التي رسمها أوباما كانت بلا جدوى، وأن الدول الغربية عجزت أو كانت غير راغبة في التدخل في الصراع السوري. وبالمناسبة، فإن هذا ما عزز شعور النظام من الإفلات من العقاب. كما أنه عزز الإدراك بين صفوف الثوار وداعميهم، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، بأن الغرب ليس لديه أي نية في الانحياز لصفهم.
والهدف الثاني الذي حققه الأسد هو جعله، مرة أخرى، محاوراً أساسياً مع المجتمع الدولي الذي سعى إلى عزله. ومنذ أن وافق الأسد على تفكيك ترسانته الكيماوية بإشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإنه نظامه قد أصبح بدون بالغ عناء جهة اتصال بالنسبة للأمم المتحدة للقيام في هذه المهمة. وعلاوة على ذلك، بات بوسع الأسد الآن أن يقدم نفسه كشريك موثوق به و”على استعداد للتعاون”، وذلك كما عبر المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أحمد أوزومكو.
سمعة نظام الأسد قد تحسنت قليلا وذلك حتى في لجنة حقوق الإنسان التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تركز على حقوق الإنسان وتمثل 193 دولة، قد صوتت يوم الثلاثاء الماضي على مشروع قرار يدين انتهاك الحكومة السورية لحقوق الإنسان، وتمت المواقفة بالأغلبية على مشروع القرار الذي لا يعدو كونه وثيقة رمزية، وذلك بواقع 123 صوتاً مقابل 13 دولة صوتت ضده و 46 دولة إمتنعت عن التصويت. وفي عام 2012 تمت الموافقة بهامش أوسع على مشروع قرار مماثل، حمل نتائجاً عملية قليلة، بواقع 135 دولة صوتت لصالح مشروع القرار، و 12 دولة ضد و بإمتناع 36 دولة عن التصويت.
وإلى ذلك، كان مفتشو الامم المتحدة قد أكدو أن الهجوم على الغوطة في 21 آب (أغسطس) كان هجوما بالأسلحة الكيماوية، ولقي مئات السوريين مصرعهم بغاز السارين السام في ذلك الحين، وربما جاوز العدد أكثر من ألف (ولا يزال هناك خلاف حتى الآن حول أعداد الضحايا).
في البداية شكك البعض باستخدام النظام للغاز السام، وسأل المشككون: لماذا يلجأ النظام السوري لغاز السارين، في حين أنه أصلا ينجح وبشكل كبير جداً في قتل الشعب بأسلحة تقليدية؟ هذا وكان عدد القتلى في سوريا بلغ 100,000 قتيل قبل الهجوم على الغوطة. لذلك ما هي الفائدة من استخدام غاز السارين في حين أن أوباما كان قد أوضح أن القيام بذلك يمثل تجاوزاً لخطه الأحمر؟
بات واضحاً الآن أن الهجوم على الغوطة أثبت أنه استراتيجية فعالة للغاية. ومن وجهة نظر الأسد، فإن قصف الغوطة بغاز السارين كان عملا يعد من أذكى ما قام به. ويعتبر هذا الوصف، بطبيعة الحال، أمراً شائناً أخلاقياً، ولكن لعله يعكس سبب تصرفات الأسد الأخيرة.
برزت نقطتا ضعف رئيسيتان في سياسة الإدارة الأمريكية منذ البداية، وكانت أولهما في تلميح أوباما إلى أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة للتدخل في حال استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية وذلك بوضعه “خطاً أحمراً” على استخدامها، في شهر آب (أغسطس) 2012. ونقطة الضعف الثانية هو أن الإدارة الأميركية قالت بشكل ضمني أيضاً أن استخدام أي سلاح آخر لا يعتبر خطاً أحمراً من خلال تحديدها أن الخط الأحمر يتمثل فقط في الأسلحة الكيماوية، وذلك حسب ما ذكر شادي حميد مدير أبحاث مركز بروكينجز في مقال له في مجلة الأتلنتك. والأسد فهم من كلتا الرسالتين منحه إعفاء من العقاب على جرائمه.
من أمِن العقاب أساء الأدب، وهذا ما يعرفه كل أب أو أم، فقيامك مثلا بتهديد أبنائك بمعاقبتهم عند سرقة الحلوى وعدم تنفيذك لهذا التهديد في حال قيامهم بذلك سيجشعهم على سرقة المزيد منها، وهذا ما حدث مع الأسد.
أدرك الأسد أن أوباما غير جاد في تهديده، و من ثم تأكد من أن الجميع أدرك الشيء ذاته: لا وجود لـ “خط أحمر” حقيقي فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية. ثم تابع في هذه التمثيلية من خلال تخليه عن برنامجه الكيماوي علانية. وهكذا، حصل فجأة على ورقة مساومة مناسبة للغاية، وهي شيء يمكنه التخلي عنه دون فقدان الكثير في حقيقة الأمر – وذلك بما أن النظام قام بمجازره الأكثر وحشية من خلال الأسلحة التقليدية. وأخيراً، عاد الأسد مرة أخرى إلى الساحة الدبلوماسية، مدعوماً بهذه البادرة الطيبة.
لعل بشار الأسد كان أول رئيس دولة قام بتحسين مكانته الدولية من خلال تسميم شعبه بالغاز. وهذا أمر على المجتمع الدولي أن يتقبله. وسواء تم ذلك عمداً أم بغير قصد، فإن إدارة أوباما قد قامت بوضع سابقة خطيرة جداً من نوعها.
ترجمة محمد عالم – أكاديمي وكاتب سوري