بلدة عرسال الحدودية “قاعدة خلفية” للمعارضة السورية
“لا جبهة نصرة ولا داعش في عرسال…نحن ندعم الثورة السورية والجيش الحر فقط”، هذا ما يؤكده حسن (33 عاما) أحد ابناء البلدة اللبنانية الحدودية، التي باتت ملجأ لـ50 ألف لاجىء سوري وأشبه بـ”قاعدة خلفية” لتأمين المؤن الغذائية والطبية لعناصر الجيش الحر، كما المأوى لبعض عائلتهم.حسن، الذي رفض الكشف عن كامل هويته، حصر المساعدات التي تقدمها عرسال، ذات الأغلبية السنية، للمعارضة السورية بالغذائية والانسانية، تحدث عن “تأقلم” معظم أهالي البلدة مع الوضع القائم باعتبار ان الكل هناك مناصر لـ”الثورة السورية”.
ولم تنج البلدة من تداعيات الأزمة السورية المستمرة منذ عامين ونصف، فهي تتعرض بشكل متكرر لقصف من الطيران الحربي السوري، ما أدى لمقتل عدد من اللبنانيين والسوريين أثناء تنقلهم عبر الحدود.والأخطر كان الحادثين اللذين استهدفا الجيش اللبناني. فقُتل في شباط فبراير الماضي، ضابط ورتيب في الجيش وجرح آخرين في كمين مسلح نصب لهم في جرود عرسال، كما قتل ثلاثة عسكريين آخرين في شهر مايو/أيار الماضي بعدما أطلق عليهم مجهولون النار على حاجز لهم.وعلى الاثر، أقام الجيش اللبناني حاجزا ثابتا عند مدخل البلدة حيث يدقق بهويات الداخلين والخارجين منها ويقوم بتفتيش السيارات والشاحنات، ويمنع دخول الاعلاميين اليها الا بعد الاستحصال على اذن من وزارة الدفاع اللبنانية.
أما الحدود اللبنانية-السورية المفتوحة الممتدة على طول 60 كلم وعرض 20 كلم فباتت المسلك الوحيد المتاح للاجئين وعناصر الجيش الحر، الذين يدخلون من خلالها الى عرسال مشيا على الاقدام أو في سيارات وشاحنات عبر وديان وجبال قاحلة.ولا يلحظ زائر البلدة أي تواجد لعناصر الجيش اللبناني في شوارعها او على تخوم المخيمات العشوائية التي أقيمت للاجئين السوريين فيها والذين تخطى عددهم عدد سكان البلدة الأصليين، فبات 50 ألفا منهم باستضافة 40 ألفا من اللبنانيين.وليد جاسم (45 عاما) لم ينزع زيه العسكري وكوفيته أثناء تواجده في احد تجمعات اللاجئين الواصلين حديثا الى عرسال.
لم يتردد جاسم، الذي افترش وزوجته الشابة وولديه الارض، بالحديث أمام كاميرا “الاناضول” ، فقال:”أنا في الجيش (السوري) الحر، كتيبة الشهيد ثائر بوظان، أقاتل في القلمون لكنني جئت لأؤمن سقفا لعائلتي قبل ان أعود للالتحاق بكتيبتي”.جاسم، الذي ترك وعائلته بلدة الضبعة مسقط رأسهم في محافظة حمص قبل 7 اشهر، انتقل الى بلدة قارة الحدودية، لكنّه اضطر قبل ايام للنزوح وعائلته مجددا مع اشتداد المعارك هناك، الى لبنان.
هو يؤكد أن معارك القلمون تسير لمصلحة الثوار وأن الجميع سيسمع قريبا “أخبارا جيدة”.والمئات من مقاتلي الجيش الحر، كما يقول جاسم، يتنقلون بين لبنان وسوريا عبر عرسال حيث يطمئنون الى أحوال عائلاتهم ليعودوا بعدها للالتحاق بكتائبهم.ولا يقتصر دور عرسال على ايجاد المأوى لهؤلاء وعائلاتهم، فالمستشفى الميداني الواقع وسط البلدة، يعالج يوميا عشرات الجرحى السوريين المد“أبو الليل” فقد عينيه الاثنتين خلال قتاله الى جانب الجيش الحر في مدينة حمص.
وهو يسكن اليوم في غرفة صغيرة في عرسال مع أولاده الـ6 الذين لا يتخطى عمر كبيرهم السنوات الـ7. وروى لمراسلة وكالة “الأناضول” كيف أن احد القناصة أطلق عليّه رصاصة بهدف اصابته في رأسه، “لكنها انفجرت أمام وجهي فأصيبت عيني ووقعت أرضا. نقلوني الى مشفى القصير الميداني حيث قدموا لي الاسعافات الاولية، بعدها جئت الى لبنان املا باستعادة بصري لكن الأطباء قالوا ألا امكانية لذلك بالرغم من أنني بت أرى خيالات بين الحين والآخر”.
تخون الدموع المقاتل السوري السابق، دموع تنسكب من فجوات عينين فقدهما الى الابد، ويقول:”أنا أضعت وطني وعيوني في آن”، معربا عن أمله ورغبته بالعودة الى سوريا “حتى ولو لم يبق من منازلنا الا الركام”.ولا يتردد رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، الذي طلب القضاء العسكري انزال عقوبة الاعدام به و بـ36 آخرين لاتهامهم بالتورط في حادثة مقتل العنصرين من الجيش في شباط الماضي والتي ينفي الحجيري علاقته بها، بالتأكيد على مناصرته كما كل اهالي البلدة للمعارضة السورية.
ولفت الحجيري في حديث مع وكالة “الاناضول” الى تخوفه من امكانية دخول سيارات مفخخة الى عرسال لاستهداف أكبر عدد ممكن من المدنيين اللبنانيين والسوريين، مشيرا الى انّه أوعز “بمنع تجول السيارات السورية في البلدة الا تلك التي تلبي حاجاتها الضرورية حفاظا على أمن اللاجئين واللبنانيين معا”. وقال “نحن غير قادرون على ضبط الحدود وهذا واجب الجيش اللبناني علما انّه يمكن القول ان الأمور مضبوطة داخل البلدة الى حد كبير”.
واستهجن الحديث عن أن آلاف المقاتلين السوريين يتخذون عرسال كمحطة استراحة قبل عودتهم للقتال في سوريا، فقال:”الثوار السوريون يسيطرون على مناطق واسعة في القلمون من يبرود الى النبك وفليطة وغيرها وبالتالي هم يستطيعون أن يرتاحوا في قراهم السورية، لماذا تراهم يسلكون مسافة 30 كلم للاستراحة في لبنان؟”ويشبّه مصدر أمني لبناني بلدة عرسال بـ”تورا بورا” الافغانية “نظرا لوعورة أراضيها واتساع المساحات فيها ما يجعل من الصعب ضبطها أمنيا خاصة في ظل المعارك المحتدمة على المقلب السوري.
”ونفى المصدر لوكالة “الاناضول” أن يكون الجيش اللبناني يتعاطى مع البلدة على أنّها “جزيرة أمنية”، مشددا على أن ليس كل من في عرسال ضد الدولة، بل “95% من سكان البلدة هم مع الشرعية اللبنانية”.وتصر بعض الاطراف السياسية الموالية للنظام السوري على ان عرسال باتت مركزا لل”تكفيريين”، تهمة يرفضها اهالي البلدة ويعتبرون انها تهدف الى “الانتقام” منهم بسبب استمرارهم مناصرة الشعب السوري في ثورته ضد نظام الرئيس بشار الاسد”.
(الاناضول)