احدث ظهور “الكتاب الأسود” لرئاسة الجمهورية جدلا مثيرا بين ناشر مطمئنّ لما نشر وصحفيّون مورّطون مستهترون ومستهزئون بما نشر ايضا، وشعب راقَ له الكتاب فقام بتحميله بملايين النسخ في اقل من 48 ساعة.
فكان الكتاب كالقنبلة التي احدثت دويّا هائلا، فهل يبقى مجرّد انفجار صوتي على عتبة قصر قرطاج؟
امام ردود افعال المعنيين بالأمر وتواصل تهميش القضاء والسيطرة عليه من قوى الردّة والمصالح، فسوف لن يكون لهذا الكتاب من حسنة سوى انّه سيساهم في وخز الحسّ الثوري لدى شباب الثورة بعد ان تحوّل كل المسار الى اعادة الحوار مع النظام القديم في كلّ اشكاله.
فالذين تناولهم الكتاب بالذكر كانوا في اغلبهم أفظاظا غلاظا، تراوحت ردودهم بين البذاءة وسوء الأخلاق من سبّ ولعن واتهام بالجنون والكذب وطعن في رجولة رئيس الجمهورية على حدّ قول فقيهتهم و”مرشدة الأمّة” في “تحليل ما حرّم الله”، والتشكيك في ما جاء في الكتاب مطالبين بالاستظهار بما يثبت ما جاء فيه من ادعاءات.
حتى وزير العدالة الانتقالية، سمير ديلو، عبر برنامج تلفزي، فقد سجّل في تاريخه خطيئتين، الأولى عندما تأسّف على صدور الكتاب الأسود، لأنّه حسب قوله قد اغتال العدالة الانتقالية !، والثانية، عندما تأسّف على تأخّر صدور قانون العدالة الانتقالية، وكأنّ غيره هو المهتم بهذا الشأن!، وربّما لو لم يصدر كتاب الرئيس، لواصل السيد الوزير صمته الى أن تقبر الثورة. وستدرك الأجيال القادمة بأن قانون العدالة الانتقالية، ان سمحت له الظروف بالظهور، كان بالأحرى تسميته قانون “المصالحة الوطنيّة”، فهو لا يعدو ان يكون مجرّد دعوة للمصالحة والغفران في اكثر من 80% من فصوله.
وبالتالي، ففي ظل الميل الى نسيان العدالة وقوانينها والتركيز على جانب المصالحة منها لا غير ثمّ مواجهتها بالتحدّي، فقد كانت شجاعة الرئيس اكبر من كلّ هذه الأحداث الواقعة في تونس، والتي اتخذت منحى انبطاحيا لقوى الخذلان الوطني من الداخل والخارج.
كان بإمكان الرئاسة التوجّه الى القضاء، على الأقل في القضايا التي تمّ الاستيلاء فيها على اموال وأراض الشعب التونسي، الاّ انّ الوضع سيكون عبثيّا لو فعلت، فكم تمنّى الفاسدون بان تقدّم فيهم كلّ الشكاوي الآن، لأنهم سيضمنون براءتهم بكلّ يسر، فالقضاء في تونس قد فقد ماء وجهه تماما وسقطت عنه ورقة التوت. فالقضاة يعتصمون مع احزاب المعارضة في باردو لإسقاط الحكومات، والقضاة يقفون ركّعا امام “سيّدهم” الأوّل، كمال لطيّفّ، المتآمر على أمن الوطن و الذي تشير اليه آلاف اصابع الاتهام، يدافعون عنه ويسقطون من اجله قرارات قضائية اخرى، والقضاء هو الذي برّأ قتلة الشهداء، وهو الذي أمضى شهائد الخلاص لكلّ المذنبين من فسدة ومجرمين في عهد المخلوع.
على المستوى القانوني سوف لن يكون لهذا الكتاب من تبعات على من وردت اسماءهم فيه كمتهمين، بل فكلّ الوقائع على الأٍرض تفيد بأن هذه “القنبلة السوداء” ستحدث ضجيجا هائلا، لكن ضدّ رئيس الجمهورية لا غير، من “الأخونة” على رأي المازري حدّاد، الذي كتب في مقال له بمناسبة الكتاب، بأن السيد المرزوقي قد انضم الى الأخوان المسلمين منذ سنة 1998 !، الى “فقدان الرجولة” على حسب الفة يوسف، و سيترنّح الخائفون كثيرا ويلقون بعياراتهم هنا وهناك.
وسيبقى الكتاب، بعد ان عرّى الكثير ممن سرقوا تونس ثمّ يحاولون الاستيلاء على الثورة، هو الوخزة الحقيقية التي ستعيد الحيوية الى الشباب الثائر الى اعادة التمركز وبعث الروح في الحراك الثوري من جديد، وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ الثورة.