سهرات رأس السنة “الفلكية” في لبنان.. تخمة منجمين

سيكون اللبنانيون على موعد هذا العام…

  سيكون اللبنانيون على موعد هذا العام أيضا مع “سهرات فلكية” نجومها فلكيون ومنجمون اعتادوا متابعتهم سنة بعد سنة مع وجوه جديدة برزت فجأة لتزويدهم بآخر التنبؤات الأمنية والسياسية والفنية للعام 2014 كما بتوقعاتهم للأبراج.

“مجبر أخاك لا بطل”، هذا حال معظم اللبنانيين الذين أجبروا بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد على ملازمة منازلهم ليلة رأس السنة، باعتبار ألا بديل آخر لهم سوى متابعة هؤلاء المنجمين الذين ستغص بهم شاشات التلفزة المحلية.

وقد تنافست هذه الشاشات على اختلاف توجهاتها السياسية على محاولة جذب العدد الأكبر من المشاهدين من خلال إضفاء طابع فلكي على انطلاقة سهراتها، فاستقدمت كل منها أحد نجوم الفلك والتنبؤ ليشارك مئات الآلاف بتوقعاته التي تتخطى بمعظم الأحيان الحدود اللبنانية إلى الدول المجاورة وحتى دول العالم.

ويلاقي هؤلاء الفلكيون عادة نسبة مشاهدات عالية بعدما “صدقت” توقعات البعض منهم، فتحولوا نجوما احتلوا الصفحات الأولى للمجلات والصحف وباتوا ضيوفا مرحبا بهم على الشاشات طوال أيام السنة.

ميشال حايك، الذي يطل غالبا على الجمهور في ليالي رأس السنة فقط، كان أبرز هؤلاء لسنوات طوال، فسطع نجمه في العام 2004 حتى أطلق عليه الكثيرون اسم “نوستراداموس العرب”.

يرجع حايك مصدر توقعاته للـ”الحاسة السادسة” كما يقول ويشرح في كل ليلة رأس سنة .

وأبرز ما صدق من توقعاته، تلك التي أطلقها في ليلة رأس السنة الماضية حين قال إن تغييراً سيحصل في سدة الحكم في دولة قطر، وفي 25 حزيران/يونيو أعلن أمير قطر حمد بن خليفة تنازله عن الحكم لولي عهده الشيخ تميم الذي يتولى حاليا مقاليد السلطة .

وتشير الأخصائية النفسية ليال رحال إلى أن مواطني البلدان التي تعاني ظروفا صعبة وغير مستقرة هم الذين يتابعون عادة توقعات الفلكيين للاطمئنان على مستقبلهم، لافتة إلى أن هذه التوقعات “تعطيهم إحساسا بالطمأنينة والسعادة وتخفف من قلقهم مما هو مقبل عليهم”.

وقالت رحال لـ”الأناضول”:”في بلد كلبنان مثلا، يتوق المواطنون لسماع التوقعات أكانت ايجابية أو سلبية باعتبار أنّها في الحالتين تجعلهم مدركين لما هو مقبل عليهم ما يعطيهم بعض الطمأنينة الداخلية.”

وينقسم اللبنانيون حول جدوى ظهور هؤلاء المتنبئين وفائدتهم، سواء إن كانت توقعاتهم تصح أم لا .

فمحمد مرعب، الطالب الجامعي، رأى أن “ربط مصير دول وحياة أمم بمجرد توقعات من هذا الشخص أو ذاك، هو أمر فيه شيء من السخافة” .

وأضاف مرعب لـ”الأناضول” أن المسؤولية الكبرى في انتشار ظاهرة المنجمين تقع على وسائل الإعلام التي تفتح منابرها وشاشاتها لهم، وهمّها الأكبر مصالحها دون الالتفات لمصالح المجتمعات. ودعا الى “الحذر من الانغماس أكثر في وحول هؤلاء التجار الذين يتاجرون بمصائر الناس″ .

ولم يوافق يوسف الشوّا صاحب إحدى المؤسسات التجارية، مرعب بأن “المنجمين يشكلون خطرا على المجتمعات”، معتبرا أنهم “يشكلون مادة دسمة للقنوات التلفزيونية والجمهور على حد سواء” .

ولم يخفِ الشوّا في حديثه للـ”الأناضول” الشك الذي ينتابه بـ”صلة الكثير من المنجمين بأجهزة مخابراتية ترسل رسائلها المشفرة عبرهم”، قائلا “في نهاية المطاف لابد أن لهم صلات مخابراتية .. ولن يتحقق إلا ما أراد الله مهما توقعوا” .

ورجّح مراقبون لوكالة “الأناضول” أن يكون هؤلاء المنجمون على صلات وثيقة بأجهزة استخباراتية من جهة أو سياسيين من جهة أخرى، الذين يسعون لتمرير رسائل مبطنة من خلالهم او لاشاعة أجواء معينة في البلد.

ويرفض رجال الدين انتشار هذه الظاهرة في المجتمع اللبناني باعتبار أنها مجرد “عمليات سحر وعلاقات مشبوهة بأجهزة المخابرات” .

فالشيخ محمود مسلماني، أحد علماء دار الفتوى في لبنان، اعتبر أن “من يتوكل على الله حق التوكل يتجنب أن يلجأ الى ما حرّم الله من السحر والعرافين والمنجمين”، مشيرا الى الحديث النبوي “من أتى كاهنا أو عرّافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد” .

وأوضح مسلماني لـ”الأناضول” أن سبب كفر من يذهب الى العراف أو الكاهن ويصدقه هو أنه لا أحد يعلم الغيب إلا الله، لافتا الى أن “الكثير من هؤلاء الكهنة يستعينون بالجن الذين يسترقون السمع من الملائكة في الغمام حين يتحدثون فيما بينهم عما سيصير في هذا العام وفي تلك الأرض، مما أطلعها الله عليه”.

واستطرد مسلماني أن “مجرد مشاهدة هؤلاء على شاشات التلفزة من غير اعتقاد بأنهم يعلمون الغيب، يدخل في باب إضاعة الوقت”، مشيرا الى أنه “من الأجدر على من يضيّع وقته بمشاهدتهم أن يشتغل بطاعة الله وذكره” .

واستبق الكاتب اللبناني ناجي البستاني إطلالات نجوم الفلك بمقال لاذع تناول فيه من أسماهم “الدجالين والمخادعين”، الذين “كما في كل سنة، سيرتدون ثيابا داكنة اللون خاصة تلك السوداء، وسيتصنعون وجها عابسا وفكرا قلقا، في سياق ضرورات المشهد التنجيمي المخادع الذي يتقنونه”.

و”توقّع″ البستاني في مقاله كل ما سيتوقعه هؤلاء المنجمون ابتداء من لبنان وصولا الى العالم، لأن “تنبؤات المتنبئين ما هي في الواقع إلا خُلاصة متابعتهم الدقيقة للتحاليل الصحافية في مجالات السياسة والأمن والإقتصاد والفن وغيرها”.

ولشدة تعلق اللبنانيين بالمنجمين، وارتفاع أرباح القنوات التلفزيونية التي تقدم شاشاتها منبرا لهم، أقدمت إحدى القنوات المحلية على تخصيص حلقة شهرية لإحدى أهم المنجّمات على الساحة اللبنانية “ليلى عبد اللطيف” التي أزاحت حايك عن “عرشه” واثارت ايضا جدلا واسعا بعدما صدق عدد من توقعاتها واهمها وصول محمد مرسي الى الرئاسة المصرية وسقوطه بعد فترة وانتشار الجيش المصري في كل المناطق.

ومن أبرز ما توقعته عبد اللطيف في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أن رئاسة الجمهورية اللبنانية ستشهد فراغا لفترة وجيزة بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في أيار/مايو المقبل . كما توقعت أن تتدخل دولة قطر للمساعدة في الإفراج عن المطرانين المخطوفين في سوريا .

وينتظر اللبنانيون والمراقبون خلال الفترة المقبلة متسائلين “هل ستحصل هذه التوقعات فعلا أم لا ؟”، خاصة أن أحد توقعات عبد اللطيف الذي أتى بسياق التوقعين السابقين ومفاده أن “أعياد الميلاد ورأس السنة ستمر على خير في لبنان”، لم تنجح به مع اغتيال محمد شطح، وزير المالية اللبناني السابق ومستشار رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، قبل بضعة أيام من ليلة رأس السنة وتحديدا في 27 كانون الأول/ ديسمبر الجاري .

وبسبب بعض توقعاتها السلبية، تحوّلت عبد اللطيف الى مادة دسمة للتعليقات الساخرة من قِبل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، الذين فضّلوا تغيير اسمها من “ليلى عبد اللطيف” الى “ليلى يا لطيف”.

فغرد محمد كريم على موقع “تويتر” ” لن اصدق ليلى يا “لطيف” الا عندما يسلم حزب الله سلاحه للجيش (كما تنبأت سابقاً)”، فيما غرد كامل صبان “ترقبوا مصائب ليلى يا لطيف قريبا ليلة رأس السنة”.

أما ابرز توقعاتها للعالم العربي في العام 2014، فبقاء الرئيس السوري بشار الاسد على قيد الحياة وترشحه للانتخابات الرئاسية السورية بعد أن كانت توقعت سابقا “غيمة سوداء فوق قصر المهاجرين(الرئاسي)”، انعقاد مؤتمر جنيف 2 و3 و4 واجتماع المعارضة السورية والنظام.

وعن مصر 2014، قالت عبد اللطيف: “خارطة الطريق ستنفذ وسيناء آمنة، ووفاة احد قيادي الاخوان في السجن” .

وتحاول الفلكية اللبنانية جاكلين عقيقي وملكة جمال لبنان لعام 1982، حجز مكان لنفسها أيضا على الشاشات عشية رأس السنة، اذ تؤكد أن ما تقدمه ليس توقعات بل نصائح للناس نتيجة البحث والدراسة والمتابعة، بعيدا عن الشعوذة.

وتوعّد آخر الوافدين الى المجال، زياد الخالدي بمفاجآت ليلة رأس السنة، باعتباره وبخلاف جميع المنجمين الآخرين سيعمد لتحديد زمان ومكان توقعاته العام 2014…والله أعلم.

Exit mobile version