حرية الشعوب وضمائر الأمة
كل يوم نتقاسم من المآسى والحروب ما لا سبيل لتحمله. أطفال ونساء وشيوخ يُقتلون، من غير أن يراعي القتلة أي مشاعر بالمسؤولية تجاه من يقعون ضحايا لأعمالهم القتالية.
صحيح ان سقوط ضحايا أبرياء جزء من كل نزاع مسلح، إلا ان ما نراه من إفراط في قتل المدنيين يكشف للمرة الأولى عن حقيقة جديدة، وهي أن الذين كانوا يُقتلون بالصدفة أو بالخطأ، صاروا يُقتلون بالضرورة وعن عمد.
وهناك الكثير من الدلائل اليومية على ان النزاعات المسلحة في منطقتنا، صارت تستهدف المدنيين على وجه الخصوص، وذلك ابتداء من السيارات المفخخة التي يتم تفجيرها وسط المدنيين وعابري السبيل، وصولا الى الهجمات الانتحارية التي يتم تصميمها خصيصا لكي تقتل أكبر عدد ممكن من الضحايا الأبرياء.
وفي الواقع فان استهداف الأبرياء اصبح هدفا قائما بذاته، بالنظر الى ان المواطنين، صاروا هم العدو المبين.
وهذا تحول لا يتصل فقط بالنزاعات الطائفية التي تعتبر “الآخر” عدوا، لمجرد انه من “الطائفة الأخرى”، ولكنه يمتد ليشمل نزاعات تستبيح دماء الناس، على نحو لم يسبق له أي مثيل.
حتى الحروب الصليبية، وعلى الرغم من كل وحشيتها، تبدو اليوم أرحم على المسلمين مما يفعله مسلمون باخوتهم المسلمون.
السؤال الذي لا بد له أن يستصرخ الضمائر الغائبة عن الوعي، هو: أين انتم؟ اين هي وعود الرخاء والاستقرار التي قطعها كل أولئك الذين اصبحوا رؤساء، أو أولئك الذين يزمعون أن يصبحوا رؤساء، أو أولئك الذين يقاتلون دفاعا عن قضية يفترض أن تحملهم، أو يحملونها هم، الى مصاف الرئاسة؟
مبرر هذا السؤال هو أن الذين يتربعون على كراسي السلطة، لا يستطيعون أن يتجاهلوا أنهم يحكمون وفقا لوعود قدموها لابناء شعبهم، فاذا بهم ينقلبون على هذا الشعب، ويدمروا حياته، من دون أن يلاحظوا انهم، ولو لاغراض النفاق وحدها، سوف يعودون اليه ليسألوه فرصة أخرى للبقاء في السلطة.
كما أن الذين يريدون ارتقاء السلطان، يحتاجون هم أيضا ان يعودوا الى ذلك الشعب نفسه الذي نكلوا به من أجل التمكين لنفسهم في السلطة.
لقد حان الوقت للقول: كفاكم. وكفى ضمائرهم التي تتحول الى ضمائر فرجة. كفاكم ما جنيتم من مكاسب على حساب شعوبكم. وكفاكم قهرا وظلما.
لكل طاغية نهاية. وإذ تتصرفون كطغاة أو كأدوات متحركة في ايدي طغاة مثلكم فان بأسكم سرعان ما سوف يرتد اليكم.
ولقد اصبح لدينا اليوم مئات الآلاف ممن اصبحوا مشردين، داخل وخارج أوطانهم، وهم لا كانوا معارضين لأحد، ولا كانوا موالين لأكثر من لقمة عيشهم وعيش أطفالهم. ولقد جاءهم شتاء لم يكن أرحم من عليهم من قسوة الدبابات والمدافع. ولكنهم أصبحوا لعبة في يد من يملكون سلطة السلاح.
السلطة لا يمكنها ان تكون سلطة من دون رضى وقبول الشعب. فكيف اصبح اليوم سلطة للقتل والدماء؟ اما الذين يتحدثون عن ثورات عربية ضد الاستبداد، فقد فاتهم انهم يصنعون استبدادهم الخاص، وكل منهم خائف على امتيازاته ويسعى وراء مصلحته والشعوب هي الضحية.
ثم أي ثورات عربية هي تلك التي تخطها اليوم دماء الابرياء؟ أي ثورات والصهاينة يتفرجون ويضحكون علينا. وأي بطولات تجترحون وانتم عبيد وعملاء للصهيونية. وهناك من يستخدم الدين كغطاء لثورته والدين منهم براء.
نحن لسنا عبيد لكم لكي تفعلوا ما تشاءون. نحن لسنا في عصور وسطى حيث يستطيع كل تاجر حرب أن يبرز عضلاته في استخدام كل شتى انواع الاسلحة ضد الأبرياء، وكأنه في عيد وطني يستعرض لوحاته العسكرية.
كفاكم استهتارا بعقول شعوبكم وبحياتها.
وكفى شعوبكم ما تحيقون بها من مصائب، من اجل كراسي لم تكن لتصل اليكم لو أنها دامت لغيركم.
فاذا كنتم تعتقدون أنكم تحاربون باسم الله، فالله من افعالكم بريء. لأن الوحشية التي تمارسونها ضد الأبرياء تكفي بمفردها لتكون دليلا على أنكم تخدمون شياطينكم ومصالحكم، والله منها ومنكم بريء.
نزهة الحاج عمر الصراف