“تكسير عظام” بين “النور” السلفي و”إخوان” مصر يصل ذروته مع قرب استفتاء الدستور
كلما اقترب موعد إجراء الاستفتاء على الدستور في مصر (يومي 14 و 15 يناير/ كانون الثاني الجاري)، كلما زادت حدة المواجهة، بين حزب النور الذراع السياسي للدعوة السلفية، من جهة، وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي من جهة أخرى، وخاصة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.“حرب تكسير عظام”.. هي أقل ما يمكن أن توصف به حاليا، هذه المواجهة المستعرة بين الفريقين، سواء على مستوى التصريحات الإعلامية، أو على مستوى الاحتكاك في الشارع، فبينما يقود حزب النور (تأسس عقب ثورة 25 يناير/كانون الأول عام 2011)، حملة إعلامية، وشعبية، عبر إقامة الندوات، والمؤتمرات للتصويت على الدستور الجديد بـ”نعم”، انطلاقا من قناعته بأنه السبيل لاستقرار البلاد، بحسب تصريحات قادته، فإن أنصار مرسي يتبنون حملة لمقاطعة الاستفتاء، وحث الشعب على عدم الاعتراف بدستور آخر خلاف دستور 2012، الذي حظي بموافقة نحو 64% من أصوات الناخبين بحسب قول قيادات بـ”التحالف الوطني لدعم الشرعية” المؤيد لمرسي.المتابع لتفاصيل العلاقة بين جماعة الإخوان التي تأسست عام 1928، والدعوة السلفية التي تأسست في السبعينيات من القرن الماضي، يرى أن الأخيرة كانت غالبا ما تأخذ، مواقفا متباعدة من الإخوان، لعل أبرزها دعم الدعوة السلفية، عبد المنعم أبو الفتوح القيادي السابق بالإخوان، ورئيس حزب مصر القوية (تأسس في 5 يوليو/تموز 2012)، في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة صيف عام 2012 ، ورفض دعم مرشح الإخوان محمد مرسي، وبررت الدعوة السلفية الأمر آنذاك برغبتها في “عدم استحواذ الإخوان على الرئاسة، بجانب البرلمان بغرفتيه الشعب، والشورى”.وجاء تبني حزب النور التصويت بـ”نعم” على الدستور، متسقا مع مواقفه منذ 30 يونيو/ حزيران الماضي، ومطالبته حينها، مرسي بالاستجابة لمطالب المتظاهرين، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وبعدها بثلاثة أيام كان حزب النور، هو أحد المكونات المشاركة في يوم 3 يوليو/ تموز الماضي، حين عزل الجيش مرسي، وإعلان خارطة مستقبل، ضمت 6 بنود، هي تشكيل حكومة كفاءات وطنية، وتشكيل لجنة لمراجعة دستور 2012، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا إقرار قانون انتخابات مجلس النواب، والبدء في إجراءات الانتخابات، واتخاذ إجراءت لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية، ووضع ميثاق شرف إعلامي.ومع اقتراب موعد الاستفتاء على الدستور الجديد، بدأ حزب النور يتهم الإخوان بتعطيل مؤتمراته، وتمزيق لافتاته، ومحاولة حرق مقراته، مستشهدا بما حدث في مؤتمر له بمحافظة كفر الشيخ (شمال)، مؤخرا، وهو ما نفاه حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان)، بالمحافظة، في بيان رسمي، قائلا “مررنا أمام مقر حزب النور، وعدد كبير من الشباب، هتفوا ضد قادة الحزب، تنديدًا بمواقفهم المخزية، ولم يلق أحد حجرا واحدا على الحزب”، بحسب نص البيان.
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يحدث فيها تراشق إعلامي، واحتكاك على الأرض بين الجانبين، ففي أغسطس/أب الماضي، تجمع عدد من أنصار مرسي، أمام مسجد الورديان بالإسكندرية (شمال)، أثناء مشاركة ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في ندوة، انتهت بترديد الهتافات ضده، منددة بمواقف الدعوة السلفية، وحزب النور، وقياداته.نبرة الانتقاد المتبادلة بين الجانبين زادت خلال شهري سبتمبر/أيلول، ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، لدرجة أن بعض أنصار مرسي يطلقون على “النور”، حزب “الزور”، وهو ما يقابله عدد من قيادات حزب النور بالرد بأن “الإخوان جماعة فقدت شعبيتها، وخدعت المصريين”.في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأت مرحلة جديدة من المواجهة بين الطرفين، وبدأت بوقفات احتجاجية، وإطلاق شماريخ (نوع من الألعاب النارية) من قبل أنصار مرسي بالقرب من الندوات، والمؤتمرات، والمحاضرات، التي ينظمها مشايخ الدعوة السلفية، وقيادات حزب النور بمختلف المحافظات، وتطور الأمر إلى اشتباكات بين أنصار مرسي، وقوات الأمن، المؤمنة لهذه الندوات، والمؤتمرات الجماهيرية، بحسب ما يردده أنصار الحزب السلفي.لم تخل سبل المواجهة أيضا من حصار عدد من أنصار مرسي لمنازل بعض رموز الدعوة السلفية مثلما حدث مع ياسر برهامي يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقبله بنحو أسبوعين محاصرة منزل عضو الهيئة العليا في الحزب نادر بكار يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وأخيرا محاصرة منزل النائب السابق عن حزب النور عبد الله سعد بمحافظة البحيرة (شمال) يوم 2 يناير/كانون الثاني الجاري، مرددين الهتافات ضده وضد حزب النور.
بكار، فسّر لوكالة الأناضول سبب ما يحدث حاليا بين الإخوان، والنور بقوله “كل ما هنالك أننا أفسدنا على الإخوان ادعاءاتهم، بأن الدستور الجديد مخالف للشريعة، الإخوان يحاولون تمرير فكرة أن هناك حرب على الإسلام، وفي الحقيقة، هم يخوضون حربا سياسية، وبالتالي وجود حزب، ذي مرجعية إسلامية، (النور) يدعو لعكس ما يروجون له، ويفشل هدفهم، فأصبحنا بالنسبة لهم عدوا أوحد يحاربونه بكل السبل”.
بكار حمل الإخوان “مسؤولية إفساد مؤتمرات حزب النور، دون غيرها من القوى السياسية” قائلا للأناضول: “الإخوان يحاولون استفزاز شباب النور، ودفعهم للعنف فى الشارع″، مضيفا “ستكون مواجهتنا للإخوان مواجهة فكرية، سنرد على كافة الشبهات، سنركز في الفعاليات التي تدعو المواطنين للمشاركة في الاستفتاء على الدستور، والتصويت بـ”نعم”، أنا شخصيا عقدت 38 مؤتمرا، حتى الآن ضمن حملة “نعم للدستور”.سيد خليفة، القيادي بحزب النور السلفي اتفق مع بكار قائلا “من حق الجميع أن يعبر عن رأيه، ومن حق أي طرف رفض الدستور، لكن مسألة استهداف المؤتمرات، وسب المحاضرين، وإطلاق الشماريخ، هذا أمر غير سوى، وغير مقبول بالمرة”.
وعلى العكس تماما، رأى حمزة زوبع المتحدث الإعلامي باسم حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان)، أن “حزب النور يمثل الواجهة الدينية للانقلاب”، قائلا للأناضول “كلما زادت الدموية، خرج حزب النور بتصريحات مضادة للإخوان، لتغطي على جريمة الانقلابيين، الحزب (النور) يشارك في سرقة ثورة الشعب، وتصريحات قياداته تحرض على العنف”.
وأضاف زوبع: “تصريح رئيس حزب النور (يونس مخيون)، بأن الإخوان انتهوا فعليا على الأرض، يؤكد أن الحزب (النور)، هدفه فقط القضاء على الإخوان”.وقال محمد السروجي، عضو اللجنة السياسية بجماعة الإخوان، “حزب النور كان غطاءً سياسيًّا، وشعبيًّا، مزيفًا للانقلاب العسكري على الشرعية، بدعوى حقن الدماء، وكانت النتائج مجازر، بحق الشعب، مع سبق الإصرار، والترصد”، (في إشارة إلى ضحايا فض اعتصامي رابعة، والنهضة، وسقوط قتلى في المظاهرات).
الاتهامات المتبادلة، بين الإخوان، والسلفيين بحسب طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة، سببها “ليس في قدرة أحد الطرفين، على الحشد للتصويت، بخيار دون الآخر، في الاستفتاء على الدستور، بسبب أن حزب النور يحظى بدعم السلطة الحالية، بعدما شارك في استحقاقات 30 يونيو/حزيران، وشارك في أعمال لجنة دستور 2013، ويتبنى التصويت عليه بـ”نعم”، وهو ما يدفع أنصار مرسى إلى مواجهته بشدة”.فهمي قال للأناضول “مواقف حزب النور الأيديولوجية، قد يواجه بسببها مشاكل حقيقة مستقبلا، من جانب أحزاب أخرى محسوبة على التيار الإسلامي (الجماعة الإسلامية، والجهاد)، وسيكون مطلوبا منه تقديم رؤية سياسية مختلفة، وكوادر يمكنها أن تصبح ممثلة لحركات الإسلام السياسي، في ظل مرحلة تكسير العظام، التي يواجهها حالياً مع جماعة الإخوان.