الرقابة السورية تحذف “علم الانتداب” و”ثوار الغوطة” من المسلسلات الشامية

تتأرجح المحاذير الرقابية السابقة لوزارة الإعلام السورية بين الجدّ والهزل، ويبدو جزء منها استجابة واعية لانتقادات طالت مسلسلات البيئة الشامية، منذ انطلاقتها منتصف التسعينيات، في وقت يبدو الجزء الآخر منها ردود فعل صبيانية وساذجة على وقائع ورموز فرضتها الأزمة/ الثورة السورية المُندلعة منذ 15 مارس (آذار) 2011.
ورغم أنه لم يتسنّ لنا التأكّد من صحة ما نُسب إلى وزارة الإعلام السورية من اشتراطات رقابية، إلا أن مناقشة تلك الاشتراطات وما ورد فيها بعيداً عن تبني صحتها من عدمه، يبدو ضرورياً لتعرية آلية تفكير الرقيب وما يؤخذ على المسلسلات الشامية في آن معاً.
على مدار سنوات طويلة ترسّخ شكل عام لدراما البيئة الشامية، بمنطق فكري واحد، ينهل السرد الدرامي لحكايته من معين ضيّق للفترة التاريخية ذاتها. وتقوم بنيته على إيقاع واحد، عصبه في الغالب حكايات مُثقلة بالحكمة والموعظة والمواقف النبيلة، وضمن هذه الحدود ستتشابك حكايات عدة، يزيد الشرّ من وتيرة حرارتها الدرامية، وتحرّكها العادات وطبائع البشر، ولا سيما معارك الخناجر، وصراعات النساء.
الحكايات ستقدم بمعزل زماني ومكاني عن محيطها الحيوي، أي دمشق في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وبالتالي ستبدو مليئة بالعيوب، ولا سيما لجهة تقديمها شكل علاقات اجتماعية لم تكن موجودة من قبل، كوجود مكتب لزعيم الحارة، أو تكريس "عقيد الحارة" بوصفه الرجل الشهم القوي في الحارة، في وقت كان صاحب هذا الاسم هو "الأزعر" صاحب المشاكل فيها، أو إغلاق باب الحارة مساءً على ساكنيها، رغم أن الحارات الداخلية لدمشق لم يكن لها أبواب تغلق.
وكما تغلق تلك الحارات على نفسها في هذه المسلسلات، ستغلق في وجه التعليم، فلا متعلمين فيها ولا مثقفين، سوى شيخ الكتاب وشيخ الجامع، في وقت يتراجع أيضاً دور المرأة ليقتصر على خدمة (سيدها) الرجل وطاعته، وبعيداً عنه هي مشغولة بصراعات النساء و(صبحيات) النميمة، دون أن يكون لها أيّ دور فاعل في الحراك المجتمعي، وهو ما يخالف حقيقة دورها الفاعل في تلك الفترة.على هذا النحو يبدو طلب وزارة الإعلام إبراز "دور المرأة الحضاري"، و"دور العلم والتعليم والمثقفين"، و"تظهير الجانب الحضاري لدمشق"، تصحيحاً لعيب وخطأ تاريخي بحقّ دمشق، ارتكبته تلك المسلسلات، ولكنه تصحيح تأخر قرابة عقدين من الزمن، الأمر الذي يجعل من طرحه اليوم مُفرّغاً من محتواه، ولاسيما إذا ما قيس بالاشتراطات الرقابية الأخرى.
مبدئياً، وبعيداً عن النظرة الكيدية لتلك الاشتراطات، تبدو هذه الأخيرة تزويراً لتاريخ دمشق أيضاً، فالطلب بعدم إبراز علم كان يستعمل فعلياً في تلك الفترة، وعدم ذكر "ثوار الغوطة" رغم دورهم الفاعل والمثبت تاريخياً في مواجهة المحتلين التركي والفرنسي، يبدو مخالفاً للتاريخ، وبالتالي فإن تغييبه هو إعادة تشويه للمرحلة.
وفق هذا المعنى، تبدو وزارة الإعلام السورية تنهى عن فعل وتأتي بمثله، الأمر الذي يرجّح احتمال كيدية تلك الاشتراطات ومحاولة تجميلها باشتراطات جفّت أقلامنا ونحن نطالب بتعديلها.