الكاتب الفلسطيني الشرفا في كتابه الجديد “الجزيرة والاخوان: من سلطة الخطاب الى خطاب السلطة”

انتقد الكاتب…

انتقد الكاتب الفلسطيني د. وليد الشرفا قناة الجزيرة القطرية في تعاطيها مع الحالة العربية القائمة، ودعمها الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، باستخدام تقنيات ذكية تقدّم الواقع لمشاهديها بشكل مختلف عن الحقيقة.

وقال الشرفا في حديث “لرأي اليوم” حول أسباب اختياره لقناة الجزيرة في دراسته إنه “لايوجد تقنيات خطابية ذكية ومنسجمة في آليات التغطية واختيار الموضوع والتعليق والحوار والخبر والبرامج الوثائقية بشكل مدروس يقدم الإخوان للمشاهد بصفتهم الحل والمخلص، كما كان في قناة الجزيرة التي حوّلت الخبر الى شكل أيديولوجي للحدث”.

 واعتبر الأكاديمي الشرفا أن الجزيرة تمثل السياسة الخارجية لقطر وتعكس تحالفاتها ودورها الإقليمي والدولي مضيفا: “قناة الجزيرة تمثل الدبلوماسية والسياسة الخارجية لقطر وتعكس تحالفاتها ودورها الدولي، فاللوم يقع على من سمح لنفسه بالوقوع في بوتقة هذه السياسات وعليه أنا لا أوجه نقدا للسياسات والدبلوماسيات الدولية بقدر ما أوجه نقدا الى الآليات التي صنع بها عالم القيم والديموقراطية والتحرر الغير ناضج والذي سوقته الجزيرة وكانه الكمال المطلق”.

وكانت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت أصدرت كتابا جديد للشرفا، بعنوان: “الجزيرة والاخوان: من سلطة الخطاب الى خطاب السلطة”، ويتضمن عملية تفكيك دقيقة للتحول بين خطابي الاخوان والجزيرة فيما بات يطلق عليه الربيع العربي.

ويرى الكتاب أن هذا التحول مارست فيه قناة الجزيرة والاخوان عملية استبدال دقيقة ومعقدة في مخاطبة الرأي العام وبنائه، باعتبار أن التحولات الهائلة في خطابي الطرفين لم تكن إلا حتميات ضرورية لانشاء فعل التحرر والإيهام بالثبات، لتشكيل أغلبية في الرأي العام العربي، وعملية الاقناع هذه اتخذت اشكالا معقدة بداية من النصوص الكبرى عند الاخوان كنصوص سيّد قطب على سبيل المثال لا الحصر، وليس انتهاء بالأخبار والصور والتعليقات والبرامج الدينية والسياسية والحوارية.

وقد عقب على منهج الكتاب الدكتور نادر سعيد مدير مركز العالم العربي للبحوث والتنمية-أوراد، بالقول: “إن المنهج الذي يتبناه هذا الكتاب يفتت جلمود الصخر وينثر هواءه في الغبار ،.. فيصبح الخطاب محدود في حبس أيدولوجيا أحادية الحق، لا يتجاوز نقطة معينة”، ويتابع: “من هنا يصبح دور الاعلام أبعد ما يكون عن انتاج الاختلاف والتحفيز على التفكير النقدي والارجاء للأحكام المتسرعة، وأقرب الى انتاج الصراع والتثوير”.

ويتكون الكتاب من ستة فصول أساسية، يطرح الفصل الأول قضية استبدال المرجعيات في خطاب الاخوان المسلمين، بعد ما أطلق عيه الربيع العربي، حيث تم شحن الخطاب ببطاقة تأويلية اقناعية حادة تعتمد على الثنائيات الضدية التي قدم خطاب الاخوان نفسه فيها على انه القادر على تمثيلها، بداية من تطبيق الشريعة الى تطبيق الديموقراطية.

 وتناقش الفصول الثلاثة اللاحقة خطاب التحول عند حركة حماس باعتبارها “أيقونة الاخوان والجزيرة، هذا التحول الذي دفع بحماس من مطلق المقاومة الى مطلق السلطة، وما تبعه ذلك من تحول في الميثاق الذي بنى حركة حماس بصفتها ممثلة لمطلق الاسلام والقادرة على إعطاء البعد الاسلامي لأي سلوك تتصرفه على الأرض، مثل السيطرة المسلحة على غزة والهدنة مع اسرائيل وما رافقها من اشتباكات وعمليات قتل لعناصر في الفصائل الفلسطينية”، وكيف قادت قناة الجزيرة عملية التأطير، من خلال تقنيات تغطيتها للعمليات المسلحة وللسيطرة العسكرية على غزة وللهدنة، هذا التأطير المحكم الذي مارس عملية خطابية تنتج واقعا لا يشبه الواقع الحاصل، بل عمل على تحويل احداث الواقع الى قضايا، وبالمقابل تحويل القضايا الى احداث بسيطة حسب النسق الخطابي المراد بناءه.

وفي الفصل الخامس يتابع الكتاب تفكيكه لتسارع الأحداث العربية وطرق تحليلها وتغطيتها، خصوصا كيف أعيد انتاج الاخبار والأحداث بما يخدم النموذج المصصم قبل عملية البث وفيه تركيز على عناصر الأدرمة التي حكمت تغطية القناة للأحداث العربية ولأحداث ووثائق ويكيلكس وللحراك الفلسطيني، وفيه نقد للمركزية الإعلامية التي باتت “تنتج القمع المضاد، ولا تهاجم ثقافة القمع بقدر ما تنتج سياقات تبرز قامعا نزيها وقامعا مشبوها، حسب تحالفات المصلحة واستبدالها”.

أما الفصل الأخير فقد اهتم بالملف المصري ضمن خطين متوازيين أحدهما تحول الإخوان المسلمين والآخر تحول الجزيرة نفسها، في تغطية الأحداث، ويحلل هذا الفصل التحول في خطاب الإخوان من نص سيد قطب الى فتاوى الشيخ القرضاوي من خلال اعتبار الكاتب “برنامج الشريعة والحياة نصا جماهيريا يعيد انتاج الاخوان المسلمين بصفتهم جماعة الحق في مصر وسوريا وفلسطين وتونس وغيرها”، وهو تحول يصل الى حد التناقض مع الخطاب الذي أسسه سيد قطب، حيث الانتقال من الهجوم على المجتمع المدني الى تقديسه ومن ثم تدنيسه.

ويخلص الكاتب في هذا الفصل الى أنّ الجزيرة استخدمت تقنية “استبدال المطلق بالسياق المطلق النصي، والسياق الاعلامي”، في عملية استغلال رهيبة لعناصر صناعة المعنى تمهيدا لاستمالة الرأي العام، وفق قاعدة القدرة على إبطال السلطة عندما يكون الاخوان في موقع المعارضة المقدسة دينيا ووطنيا من خلال العلاقة مع الآخر، والقدرة على إبطال المعارضة عندما يكون الإخوان في مركز السلطة، عبر القدرة على انتاج التوصيف نفسه مع انقلاب الدور.

وجدير بالذكر أن الدكتور وليد الشرفا هو استاذ الاعلام والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت، وحاصل على الكتوراه في تحليل الخطاب، ألّف ثلاث روايات آخرها القادم من القيامة التي صدرت عن المؤسسة العربية عام 2013، وتم ترشيحها لجائزة البوكر، إضافة الى عدد من الابحاث في السرد والصورة.

 

Exit mobile version