أرشيف - غير مصنف

هل تتخلى واشنطن عن طموحاتها في المنطقة العربية؟

يثير قرار الإدارة الأميركية خفض معوناتها المالية…

يثير قرار الإدارة الأميركية خفض معوناتها المالية المخصصة لبرامج الديمقراطية والحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في موازنة 2014، تساؤلات العديد من المراقبين حول ماهية القرار وتوقيته الذي يتزامن مع تحولات سياسية في العديد من بلدان المنطقة.   فقد أقرت الحكومة في موازنتها لـ 2014 مبلغ 7.36 مليار دولار كمساعدات خارجية إجمالية للمنطقة بنسبة انخفاض بلغت تسعة في المئة عن قيمة المساعدات للعام الماضي،  خصصت منها 298.3 مليون دولار لدعم الديمقراطية والحوكمة، وهو مبلغ يقل بنحو 160.9 مليون دولار عن المبلغ الذي خصصته للغرض نفسه في 2013.

واختلفت التفسيرات حول الخلفيات الحقيقية وراء هذا القرار، الذي اعتبره بعض الملاحظين نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة، والتي أجبرت الحزبين الجمهوري والديمقراطي على التوصل إلى اتفاق بعد مفاوضات شاقة حول الموازنة.

وقرأ آخرون هذا القرار برغبة من الولايات المتحدة في خفض درجة التوترات في دول الربيع العربي، من خلال المساعدات التي تقدمها للجمعيات والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الديمقراطية.

غير أن هذه التفسيرات لم تخل من رؤية تحمل موجة من الانتقاد لسياسة واشنطن الجديدة تجاه المنطقة العربية، والمتمثلة في تراجعها عن دعم برامج الديمقراطية.

قرار إيجابي أم سلبي؟

وفي هذا الصدد، يقول علي العنبوري رئيس تجمع عراق 2020 إن قرار الولايات المتحدة "بعيد عن الحكمة ويفتقد إلى رؤية موضوعية للأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

الشعوب العربية تنتظر استمرار أميركا الالتزام بالمبادئ المعلنة في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان

ويبرر العنبوري قراءته في تصريح لموقع "راديو سوا"، بكون شعوب المنطقة تخوض "صراعات حقيقية لترسيخ مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان"، مشيرا إلى أن هذه الشعوب تنتظر استمرار أميركا الالتزام بالمبادئ المعلنة في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وأضاف أن "القرار غير حكيم وعلى أميركا أن تراجع نفسها بشكل جدي وسريع وتعيد النظر فيه".

ويسير كول بوكنفيلد، الباحث في برنامج الديمقراطية في الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، في المنحى ذاته ويعتبر التراجع في الإنفاق على مشاريع الديمقراطية في الشرق الأوسط، مسألة متعلقة بالإدارة الحالية التي صنفت اهتماماتها وأولوياتها لدعم مشاريع الديمقراطية في المنطقة انطلاقا من الموازنة المخصصة لها.

وقال في تصريح لموقع "راديو سوا" إن العديد من الدول عبر العالم بما فيها دول المنطقة العربية والربيع العربي على وجه التحديد، تحتاج إلى مساعدة الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى.

غير أن ممدوح نخلة، مدير مركز "الكلمة" لحقوق الإنسان في مصر يرى عكس ذلك، ويعتبر أن القرار الأميركي سيكون له تأثير إيجابي على الداخل الأميركي بالنظر إلى الوضع الاقتصادي، ذلك أن خمسة مليارات دولار على الأقل تنفقها واشنطن على دول أخرى وتخصم من جيوب دافعي الضرائب.

وأضاف أن الأمر ذاته ينطبق على الدول العربية، مشيرا إلى الدعوات التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني في مصر مطالبة بتخفيض المعونات الأميركية أو حتى منعها، بسبب ما وصفه المتحدث بارتباطها ب"أجندات خاصة بها".

المساعدات الأمريكية تؤثر على المجتمع المصري وأدت إلى اضطرابات ونزاعات داخلية وبالتالي فإن خفضها مؤشر إيجابي

وقال نخلة إن "هذه المساعدات تؤثر على المجتمع المصري وأدت إلى اضطرابات ونزاعات داخلية وبالتالي فإن خفضها مؤشر إيجابي".  انسحاب أم استراتيجية جديدة؟

وسبق قرار خفض المعونات المالية لبرامج الديمقراطية، قرارات أخرى لإدارة الرئيس باراك أوباما خاصة بمواقف واشنطن من قضايا متعلقة بالمنطقة العربية، منها الرفض الأميركي الصريح لأي تدخل عسكري مباشر على الأرض في ليبيا وبعدها سورية.

وتحفظت الإدارة الأميركية كذلك على مساعدة المعارضة المسلحة السورية في بداية الأمر قبل أن تقرر تقديم مساعدة غير قتالية، ثم أوقفتها بعد ذلك بسبب المخاوف من قوعها بين أيدي التنظيمات المتشددة.

وجاء القرار الأخير بخفض المساعدات ليعزز قناعات العديد من المراقبين أنه تكريس لانسحاب تدريجي للولايات المتحدة من المنطقة، بسبب التكاليف الباهظة للتدخلات الأميركية المباشرة المتوالية.

وقال ممدوح نخلة في هذا السياق "هو بالفعل انسحاب تدريجي للولايات المتحدة من المنطقة العربية"، مشيرا إلى أن هذا الانسحاب سيفتح المجال أمام دول أخرى للدخول إلى المنطقة لتعويض الولايات المتحدة.

 

وقال نخلة "روسيا مثلا مرشحة لمزيد من النفوذ في المنطقة العربية، وأيضا دول الاتحاد الأوروبي لأن معظم دول المنطقة ظلت تعتمد على الولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي، بعد ابتعادها عن روسيا مع تفكك الاتحاد السوفييتي".

ويرى كول بوكنفيلد من جانبه، أن الاعتقاد السائد هو أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل في الانسحاب والتخلي عن دعم الديمقراطية في المنطقة، وهو "ما شعرنا به منذ سنة على الأقل".

وأضاف أن أوباما أعلن عن أولوياته في المنطقة العربية في آخر خطاب له في الأمم المتحدة ولخصها في أربع أولويات، ولم تكن من بينها الديمقراطية، وهو "تراجع كبير مقارنة بسنوات قليلة مضت".

السياسة الأميركية في المنطقة بدأت تعود تدريجيا إلى السياسة القديمة من خلال حماية بعض المصالح الاستراتيجية دون التدخل المباشر، والاكتفاء فقط بالمصالح الاستراتيجية الأساسية مثل الاقتصاد

وتابع يقول إن السياسة الأميركية في المنطقة بدأت تعود تدريجيا إلى السياسة القديمة من خلال حماية بعض المصالح الاستراتيجية دون التدخل المباشر أو الدفع بمشاريع إصلاحات ديمقراطية في مناطق عديدة، والاكتفاء فقط بالمصالح الاستراتيجية الأساسية مثل الاقتصاد.

لعبة المصالح

وعلى النقيض من ذلك، لا يوافق علي العنبوري على تفسير القرار الأميركي بالانسحاب. وقال "لا أعتقد أن الولايات المتحدة مستعدة للانسحاب من المنطقة، لأن لها مصالح جدية وحيوية".

وأضاف أن واشنطن لديها "صديقة حميمة في المنطقة هي إسرائيل التي تحرص على تأمينها وتوفير مستلزمات استمرارها وتعزيز بقائها".

وأشار إلى أن الثروات الطبيعية الهائلة التي تتوفر عليها المنطقة العربية كفيلة أيضا بجعل واشنطن تتمسك بها لديمومة بقائها كقوة عظمى في العالم، على حد قوله.

وبرأي المتحدث، فإن القرار الأميركي تقليص المساعدات لا يعدو أن يكون تغييرا تكتيكيا في تعاملها مع المنطقة عموما وشعوبها بشكل خاص، ولا "أعتقد أن هذا يمثل انسحابا للولايات المتحدة من المنطقة".

ويستدل العنبوري على ذلك بالمبالغ الكبيرة التي أنفقتها الولايات المتحدة في العراق لترسيخ مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن هذه التجربة "لم تحقق النجاح المطلوب". وأضاف أن هذه التجربة جعلت واشنطن "تفضل التعامل مع حكام مستبدين كما كان عليه الحال في القرن الماضي لأنه أقل كلفة وأضمن لاستمرار مصالحها بدلا من تطبيق عملية تغيير ناعم طويلة الأمد تأخذ مسارات متعددة قد تنجح وقد لا تنجح في الأخير".

زر الذهاب إلى الأعلى