قضوا عشرات السنين في كرسي الحكم، كانوا شهودا على حكومات جاءت وولت، عاصروا حروبا ونزاعات عالمية وإقليمية، حتى ظهر الشعر الأبيض وبرزت التجاعيد وكثرت الزيارات إلى عواصم الغرب بحثا عن الرعاية الطبية. ألم يحن الوقت لبعض حكام العرب التخلي عن كرسي الحكم؟
التنازل عن الحكم ليس لأسباب سياسية، أو عملية انقلابية، أو مؤامرة خارجية، أو اصلاحات ديمقراطية أو احتجاجات شعبية، لكن لسبب أبسط من ذلك بكثير: الشيخوخة والتقدم في السن. أليست هناك أسباب لسن قوانين ومواد دستورية تضع حدودا لعدد الولايات الرئاسية؟
الرئيس الأميركي الوحيد الذي تولى أكثر من ولايتين في تاريخ الولايات المتحدة هو فرانكلين روزفيلت، فقد كان رئيسا للفترة من عام 1933 حتى 1945، حين توفي بعد أشهر من توليه الولاية الرابعة. فبعد وفاة الرئيس الذي يعد واحدا من الشخصيات الأكثر شعبية في القرن العشرين، تبنى الكونغرس تعديلا دستوريا (التعديل 22) ليحدد فترة الرئاسة بولايتين فقط.
لو كنا نتحدث حول الموضوع قبل أربع سنوات لكانت الأمثلة كثيرة، لكننا نقف اليوم أمام حكام ورؤساء قد تحول شيخوختهم وأمراضهم وغيابهم للعلاج دون القيام بمهام مناصبهم.
ولنأخذ على سبيل المثال جلال طالباني في العراق، وعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، وعبد الله بن عبد العزيز أل سعود في السعودية.
الرئيس الغائب
جلال طالباني (81 عاما) تولى منصب رئيس الجمهورية في العراق عام 2005 عقب تولي حكومة مؤقتة شؤون البلاد إبان دخول القوات الأميركية البلاد. ورغم أنه لم يقض سوى تسع سنوات في منصبه الحالي، إلا أنه يتولى منصب رئاسة الاتحاد الوطني الكردستاني. عاصر طالباني الحكم الملكي في العراق الذي انتهى بانقلاب عام 1958، والجمهورية العراقية التي تأسست عقب الانقلاب، وقد خاض بعناصر حزبه صراعات كردية-كردية وأخرى مع الجيش العراقي ونظام صدام حسين.
يتخذ طالباني من مركز طبي في برلين مقرا له بعدما أصيب بجلطة دماغية في نهاية 2012، اضطرته لترك البلاد من أجل العلاج في ألمانيا. عاد إلى البلاد عدة مرات منذ ذلك الحين، لكن قدمه لم تطأ مقر الرئاسة في العاصمة بغداد، بل كان يتوجه إلى السليمانية في كردستان، حيث مقر حزبه، ثم يعود إلى ألمانيا.
طالباني اليوم في برلين. ورغم تأكيدات الرئاسة العراقية وحزبه الكردي على تحسن صحته، إلا أن مصادر خاصة تحدثت إليها وسائل إعلام أجنبية أشارت إلى أن الرئيس العراقي لم يعد قادرا على التمييز بين الأشخاص.
وبغض النظر عما إذا كانت صحة الرئيس في تحسن أم لا، هل يحق لرئيس حالي أن يختفي عن الساحة السياسية لعام ونصف في بلد لا يكاد يخرج من أزمة سياسية حتى يدخل في أخرى؟ وألم يحن وقت التنازل عن المنصب بعد؟ وأليست هذه هي الديمقراطية؟
ولاية رابعة رغم المرض
عبد العزيز بوتفليقة (77 عاما) الذي يشغل كرسي الرئاسة في الجزائر منذ 15 عاما، هو الآخر يعاني من مشاكل صحية كثيرة. لكنه أجرى عدة زيارات إلى العاصمة الفرنسية باريس في إطار “فحوصات روتينية”، حسب الرئاسة الجزائرية.
فقد نـُقل بوتفليقة إلى مستشفى “فال دو غراس” في باريس في 27 نيسان/أبريل 2013، ومنه إلى مؤسسة “لي أنفاليد” الوطنية المتخصصة في الحالات الصعبة، وبقي فيها حتى السادس عشر من تموز/يوليو.
وقالت مصادر رسمية آنذاك إن الرئيس أصيب بجلطة دماغية. ثم عاد إلى باريس بداية العام الجاري لإجراء فحوصات روتينية. وتقول الرئاسة إن نتائج الفحوص أظهرت “تحسنا واضحا” في الحالة الصحية للرئيس، لكنها لا تشير إلى طبيعة الأزمة أو المرض الذي يعانيه بوتفليقة.
وظل بوتفليقة بعيدا عن الأضواء، ولم يحضر حتى الاحتفالات الرسمية بعيد الأضحى، حتى بدأ الحديث عن الانتخابات الرئاسية، فظهر مجددا ليعلن عزمه الترشح لولاية رابعة. وقال في إحدى المناسبات، إن مشاكله الصحية لا تعني عدم أهليته لولاية رئاسية جديدة، متعهدا بإجراء إصلاحات دستورية إذا ما فاز في الانتخابات المقررة في 17 نيسان/أبريل.
وقال مخاطبا الجزائريين، إنه قرر الترشح “حتى لا أخيب رجاءكم”، وإنه سيسخر طاقاته، رغم مشاكله الصحية، لخدمة الجزائريين.
فلم الاستمرار في المنصب إن كان الرئيس مريضا؟ ألا يرى الرئيس أن ولاية رابعة قد تفسر على أنها تمسك بالمنصب؟ خصوصا وأن هناك من يبدو أنهم أهل للمسؤولية؟
ملك مبجل في التسعين
عبد الله بن عبد العزيز آل سعود (90 عاما)، لكن تقارير إعلامية أجنبية تشير إلى أنه في الحقيقة يبلغ من العمر 98 عاما. تولى خادم الحرمين عدة مناصب خلال مسيرته السياسية والعسكرية، فأصبح عام 1963 رئيسًا للحرس الوطني، وتولى منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء عام 1975، ثم نائبا أول لرئيس الحكومة عام 1982 ووليا للعهد بمرسوم من الملك فهد.
أصبح الملك عبد الله القائد الفعلي للبلاد بعد إصابة الملك فهد بجلطات ومتاعب صحية عام 1995، ليصبح رسميا ملك السعودية في الأول من آب/أغسطس عام 2005 بعد وفاة الملك فهد.
العاهل السعوديالعاهل السعودي
تعرض العاهل السعودي لعدة وعكات صحية، أجبرته على تقليص أنشطته العامة. فقد خضع لعدة عمليات جراحية بعد أن عانى من انزلاق غضروفي. وغادر الملك عبد الله في “إجازة خاصة” إلى نيويورك في آب/أغسطس 2012. وأشارت معلومات غير مؤكدة أنه أجرى هناك عملية جراحية إثر إصابته بأزمة قلبية، لكن الديوان الملكي لم يصدر بيانا حول الأمر ولم تؤكد الحكومة تلك المعلومات.
صحة العاهل السعودي وغيابه عن الأضواء في تلك الفترة أثارت تكهنات حول مصيره، لكنه وضع حدا للشائعات بظهوره على شاشات التلفزيون جالسا ومحاطا بعدد من الأمراء والمسؤولين في المملكة في أيلول/سبتمبر الماضي.
أميركا تحدد عدد الولايات الرئاسية
وفي الولايات المتحدة، تم تحديد عدد الولايات الرئاسية في ولايتين بهدف منع سيطرة شخص واحد على مفاصل الدولة لفترة طويلة، بالإضافة إلى الحيلولة دون أن يؤثر تقدم الرئيس في السن على صناعة القرار في واشنطن.
ولعل أبرز مثال قريب على كيفية تأثير تقدم السن على صناعة القرار، الرئيس رونالد ريغان (81-89) الذي تشير تقارير إلى أن تقدمه في السن وإصابته بمرض الزهايمر كان له تأثير على بعض القرارات التي اتخذتها إدارته. ورغم أن مساعدي ريغان وطاقم البيت الأبيض لم يتطرقوا إلى مشاكل الرئيس الصحية آنذاك، فقد خرج ريغان رسميا عام 1994 ليقول للعالم إنه مصاب بمرض فقدان الذاكرة الزهايمر. وكان ريغان يبلغ من العمر حينها 83 عاما.