صرحت منظمة «هيومن رايتس ووتش» اليوم إنه على السلطات العُمانية التوقف عن مضايقة المدون والمعارض للحكومة العُمانية «محمد الفزاري»، والذي احتجزته السلطات بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 6 أيام، مطالبة بأن يُسمح له باستئناف أنشطته السلمية.
وكانت الشرطة العُمانية قد أطلقت سراح «محمد الفزاري» في 4 سبتمبر/أيلول الجاري، دون أن توجه له اتهامات، إلا أنها هددت بملاحقته قضائياً في حال استمر في انتقاده لسياسات الحكومة، بحسب ما قال مصدر مطلع على القضية لـ«هيومن رايتس ووتش».
وحول التوقيف الأخير لـ«الفزاري»، فإن مصادر مطلعة قالت لـ«هيومن رايتس ووتش» إن السلطات استدعته للمثول أمام القسم الخاص في مقر شرطة عٌمان السلطانية في حي القرم، بمسقط في الساعة 9 صباحاً، يوم 30 أغسطس/آب الماضي، وألقت الشرطة القبض عليه حال وصوله.
وأضاف المصدر أن الشرطة سمحت له لاحقاً بإجراء مكالمة هاتفية ليخبر والديه أنه قد يظل رهن احتجاز الشرطة لبضعة أيام، ونص الاستدعاء، الذي اطلعت «هيومن رايتس ووتش» على نسخة منه، أن الأمر يتعلق بـ«مسألة شخصية» فقط.
من جانبه، قال «جو ستورك» نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» إن إلقاء القبض على «محمد الفزاري» واحتجازه لعدة أيام، يُظهر أن المُدافعين عن الإصلاح في عُمان ما زالوا عُرضة للمضايقة والانتقام، مضيفا أنه ليس هناك مبرر على الإطلاق للاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، ولاسيما إن كان عقاباً على انتقاد سلمي.
وأكد «ستورك» أن العبء يقع في الوقت الراهن على كاهل السلطات العُمانية لكي تظهر أنها لا تستهدف «الفزاري» وغيره من المُعارضين السلميين بسبب أنشطتهم السلمية.
وعلمت المنظمة من مصادرها أنه أثناء فترة احتجاز «الفزاري»، قام مسؤولو الأمن باحتجازه في حبس انفرادي، داخل زنزانة بها ضوء أبيض ساطع لا ينطفئ أبدأ، كما أخضعوه لاستجواب مكثف.
وأضاف المصدر أن السلطات قامت بتحويل ملف «الفزاري» إلى النائب العام، وهددته بتوجيه تهمتي الإخلال بالأمن العام، وإلحاق الضرر بسمعة عُمان، إذا لم يُوقع تعهداً بالتوقف عن انتقاد الحكومة، من خلال مجلة «مواطن».
و«الفزاري»، البالغ من العمر 25 عاماً، هو مدون بارز ورئيس تحرير الموقع الإخباري مجلة «مواطن»؛ التي دأبت على الدفاع عن الإصلاح السياسي، وانتقاد الحكومة العُمانية.
وكانت السلطات قد ألقت القبض على «الفزاري» خلال حملة على المدونين والنشطاء في يونيو/حزيران 2012، واحتجزته في الحبس الانفرادي، وحاكمته بتهمتي «التجمهر غير القانوني، وإهانة السلطان»، وتم إطلاق سراحه في مارس/آذار 2013، في أعقاب عفو سلطاني.
وقد أفاد نشطاء محليون لـ«هيومن رايتس ووتش» في مايو/أيار 2014، أن الشرطة استدعت «الفزاري» للاستجواب مرتين منذ إطلاق سراحه، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، قامت الشرطة باحتجازه واستجوابه لأكثر من 10 ساعات بشأن نشاطه المؤيد للإصلاح وعمله في مجلة «مواطن» الإلكترونية.
وفي مارس/آذار 2014، التقت عناصر من الشرطة بـ«الفزاري» في أحد مطاعم مدينة مسقط، وطلبوا منه بطريقة لائقة أن يتوقف عن أنشطته الداعمة للإصلاح، بحسب نشطاء محليين.
وقال النشطاء لـ«هيومن رايتس ووتش» إن جهاز الأمن الداخلي العُماني كان قد احتجزه بمعزل عن العالم الخارجي لمدة 28 يوماً في أعقاب إلقاء القبض عليه في يونيو/حزيران 2012، وتم نقله إلى منشأة قرب سجن «سمائل» المركزي، حيث قضى 23 يوماً أخرى في الحبس الانفرادي، وأدانته محكمة مسقط الابتدائية لاحقاً، مع آخرين، بتهمة «التجمع غير القانوني» لمشاركتهم في اعتصام أمام مقر الشرطة للمطالبة بإطلاق سراح المدونين والنشطاء المحبوسين.
وقد أصدرت المحكمة حكماً بحبسه لمدة 18 شهراً؛ تم تخفيضها لاحقاً إلى 6 أشهر عند الاستئناف.
وتمت محاكمة «الفزاري» منفرداً بتهمة «إهانة السلطان»؛ حيث قام الادعاء بالاستشهاد بفقرات مما نشره على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وعلى مدونته كدليل ضده، إلا أن المُحاكمة لم تكتمل نظراً لإطلاق سراحه في إطار العفو السلطاني.
هذا ويعطي القانون الجزائي العُماني السلطات الحق في احتجاز من يُشتبه في أنهم يمثلون تهديداً للأمن القومي لمدة 30 يوماً دون تهمة.
وقد وثقت «هيومن رايتس ووتش» حالات عديدة في السنوات الأخيرة، قام فيها مسؤولو الأمن والاستخبارات العُمانيون باحتجاز نشطاء بمعزل عن العالم الخارجي في الغالب، لفترات قصيرة نسبياً، ثم أطلقوا سراحهم دون توجيه اتهامات لهم، بعد موافقتهم على توقيع تعهدات بالحد من أنشطتهم السلمية التي تتعلق بالسياسات الحكومة.
ولفتت «هيومان رايتس» إلى قوانين الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي تعد عُمان دولة طرف فيه، مؤكدة عبر مواده على «الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة» «المادة 32»، وتلزم المادة 14 من الميثاق السلطات بإبلاغ كل شخص يتم توقيفه بأسباب ذلك التوقيف لدى وقوعه، كما يجب إخطاره فوراً بالتهمة الموجهة إليه، ويُقدم دون تأخير أمام أحد القضاة، وله حق الاتصال بذويه.