وصفة أمريكية قذرة: الملكيات والمستبدون في الشرق الأوسط أصدقاؤنا ويجب دعمهم
تنفست واشنطن وعواصم غربية أخرى الصعداء، عندما استطاع السيسي إنجاز المهمة بنجاح وقام بانقلابه العسكري المنقوع في الدم. حيث أصبح بإمكانهم العودة إلى “العمل كالمعتاد” مع العرب. ولا حاجة لاستراتيجية الاحتواء الحديثة. ولا حاجة للتغني بالحرية، أو دفع ضريبة كلامية عن تحرير الدول أو الإرادة الشعبية.
فقد تولت دبابات السيسي المدعومة من الولايات المتحدة والبترودولار الخليجي عملية تشويه وهدم الربيع العربي غير المرحب به. فقد حان الوقت لعودة الأمور كما كانت قبل يناير 2011، وإعادة الاتصال مع الأصدقاء القدامى والشركاء الذين يفتقدونهم كثيرا، في الواقع!
قم بالتخلص من الخطاب الجديد وعبارات “التغيير”، و”التحول”، و”الديمقراطية”، و “الإرادة الشعبية” و”الاحترام المتبادل”، وأخرج القاموس المألوف المستخدم منذ الحرب العالمية الثانية من الدرج. فلنتحدث الآن عن “الاستقرار”، و”الأمن”، و”مصالحنا”، وجميع العبارات الملطفة الأخرى للركود السياسي القسري، وعرقلة التغيير، وإبقاء الوضع الراهن المفروض قسرا على ما هو عليه.
فها هي الأصوات التي كانت صامتة منذ الإطاحة بالطغاة في مصر وتونس تدوي مرة أخرى. واحد من تلك الأصوات هو دينيس روس، الذي كتب مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز مقالا حث فيه علنا الإدارة الأمريكية على العودة إلى دعمها لـ “الأصدقاء والشركاء” في المنطقة.
ولكيلا يكون هناك التباس حول من قد يكون أولئك الأصدقاء، لم يتردد روس في مقاله بعنوان “الإسلاميون ليسوا أصدقاءنا” بتعريفهم بعبارات واضحة، حينما قال إنهم “الملكيات التقليدية والحكومات الاستبدادية، والإصلاحيين العلمانيين الذين قد يكونون صغيرين من حيث العدد ولكنهم لم يختفوا، والذين اعتبرهم من يوفرون بصيص النور الوحيد في المحيط العربي المظلم.
والذين تجمعوا في الجزيرة الصغيرة التي ينبغي أن تكون بمثابة بوابة أميركا الوحيدة في المنطقة وموطئ قدم فريد لها فيها. لننسى الواحد ونصف مليار مسلم في جميع أنحاء العالم، فمصالحنا تكمن حصرا مع هذه القلة المختارة والسياسات التي ندعمها ينبغي أن تعتمد كليا عليهم”.
بينما قام روس بإلغاء فئة واسعة وغامضة تحت مسمى “الإسلاميين”. وهو المسمى الذي يجد بموجبه المعتدلون من حزب النهضة في تونس، وعلماء الدين الإسلامي في ماليزيا، والإصلاحيون في إيران، أنفسهم فجأة موضوعون جنبا إلى جنب مع المجانين من تنظيم القاعدة وداعش على الطرف المقابل من الطيف الإسلامي.
فالخلافات الفكرية والسياسية الهائلة التي تميز كلا منهم لم تعد المسألة. فالسنة والشيعة، والديمقراطيون والمعتدلون، والسلفيون والمتطرفون والفوضويون العنيفون قد تم وضعهم معا في كتلة متجانسة واحدة في مثال صارخ للاختزالية والتبسيط وعمى الألوان.
وكمثل الكثير من الليبراليين الزائفين، فإن خطاب روس مليء بالتناقضات. فبينما يدعو لدعم الحكام المستبدين الطغاة بكل صلابة وقسوة، فإنه لا يزال يدعي التزاما لا يتزعزع بما أسماه “قيمنا” و”التقاليد الديمقراطية التعددية”.
وبالتالي تتحول الديمقراطية والحقوق والحريات إلى قشرة رقيقة لإخفاء بشاعة وأنانية الاستراتيجيات والسياسات المتبعة على أرض الواقع، وتصبح ورقة التين التي تحاول إخفاء عري المصلحة الذاتية قصيرة النظر وراءها.
إن الذين يرفضون المشهد الإسلامي ككيان متجانس ويضعونه خارج التاريخ، فإنهم إما يتجاهلون عمدا، أو يغضون الطرف عمدا أيضا، عن الحركات والصراعات الفكرية. فإلى جانب المواجهات السياسية والعسكرية المدوية، هناك مواجهة أكثر أهمية، وإن كانت أقل ظهورا تجري على أرض الإسلام بين ثلاث استراتيجيات متباينة في التفسير تتنافس بنشاط في كسب ولاء المسلمين.
الأولى، والتي ترجع أصولها إلى المدرسة الإصلاحية في القرن التاسع عشر، سواء في تجلياتها السنية والشيعية، وهي التي لا ترى أي تناقض بين الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان وتحرير المرأة، والحريات المدنية والعامة.
وهذا هو النوع من الإسلام الذي أقره أمثال حزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب وحزب العدالة والتنمية في تركيا. فهم إسلاميون، ولكنهم أيضا ديمقراطيون. ويعتبر الإسلام هو إطارهم المرجعي، وهي نفس الوظيفة التي تؤديها المسيحية في حالة الحزب الديمقراطي المسيحي والاشتراكية لدى الاشتراكيين الديموقراطيين.
وينافس هذا الطرح، الإسلام الذي يتبناه الاستبداد ومشيخات الخليج، مع رجال الدين الرسميين والدعاة الحكوميين، والشرطة الدينية التي لا ترحم، والمكلفة بإضفاء الشرعية على الوضع الراهن، والتسلط والقمع باسم الدين وحماية الأعراف العامة، فدينهم هو أيديولوجية الدولة في خدمة الحكام المستبدين. ويبدو أن هذا النوع من الإسلام هو الذي يفضله أصدقاء المستبدين والطغاة في العالم العربي، مثل روس، ويودون أن يروا دعم الإدارة الأمريكية له.
وتقاسم الكثير مع هذا الشكل من الإسلام، وخاصة في العقيدة، أنصار التفسير الثالث والذين يؤيدون نوعا مختلفا من السياسة، وهم الفوضويون الوهابيون، وتمثلهم الجماعات الأكثر صخبا مثل القاعدة وداعش، الذين عقدوا العزم على دفع العالم الإسلامي إلى حروب لا معنى لها ولا نهاية لها مع الكفار، في الداخل والخارج على حد سواء. ومثلهم مثل “الإسلام الاستبدادي”، هم معارضون بشدة للديمقراطية وحقوق الإنسان، والحريات الفردية ويعادون علنا الإسلام الديمقراطي.
هذه هو الخريطة الفكرية الحالية في العالم الإسلامي. وتحتاج الإدارة الأميركية في التفكير في الاتجاه الذي يفضل أن تأخذه المنطقة. ويجب عليها أن تقرر أي إسلام تريد: الإسلام السلمي والديمقراطي، المتوافق مع أي سعي لتحقيق الاستقرار الحقيقي على المدى الطويل، أو الإسلام الفوضوي والمدمر لتنظيم القاعدة وداعش، مع جذورها في المطلق من الوهابية السعودية.
في ذروة مشروع المحافظين الجدد، اعترفت كوندوليزا رايس “بأننا على مدى ستة عقود …، حددنا شكل انخراط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الكبير: فأيدنا الأنظمة الاستبدادية، وأيدوا مصلحتنا المشتركة في الاستقرار الإقليمي” وعترفت بأن” هذه الصفقة القديمة أنتجت استقرارا كاذبا”. ولكن المدهش أنه بعد أكثر من عقد من الزمان، وبعد الهزيمتين العسكريتين الأمريكيتين والخطوات متسرعة متتالية، فضلا عن العديد من الثورات الشعبية في أنحاء المنطقة، يجري جر الإدارة الأمريكية إلى نفس الاستراتيجية الكارثية، بعد أن كان أوباما الذي جاء إلى السلطة قد تعهد بمراجعتها والتخلي عنها.
الموجة الأولى من “الربيع العربي” قد انحسرت تحت وطأة المؤامرات عن طريق حلفائها في الخليج. وتدمير الحياة السياسية عن طريق البترودولار الذي صنع الفوضى في كل مكان أعلنت فيه إرادة العرب للتغيير.
ولكن المطالب في جوهرها لا تزال موجودة. والأصدقاء من أمثال روس، الذين رقصوا وصفقوا عندما انجرت مصر إلى هاوية دموية من الانقلابات العسكرية، قد ينجحون في تأجيل التغيير. لكن ذلك سيكون فقط لفترة من الوقت.
ولكنهم وأسيادهم في واشنطن وأوروبا قد يدركون قريبا أن مطالب الجماهير العربية من أجل تقرير المصير من خلال الدساتير الديمقراطية والبرلمانات المنتخبة بحرية ومساءلة الحكومات التمثيلية من الصعب جدا دفنها، لسبب بسيط هو أنها مطالب حقيقية وشرعية تماما.
سمية غنوشي- ميدل إيست مونيتور
التقرير