لا تزال موجة الأغنيات الهابطة تقتحم الساحة الفنية دون حسيب أو رقيب، فتُفرض على الجمهور دون سابق انذار ، وبالتالي يجد المستمع نفسه مُجبرا على حفظ الأغنية نظرا لما يسمى بالـ’Matraquage’ الذي تمارسه الإذاعات بطلب من شركات الإنتاج طبعا. أما المُضحك المبكي فهو أنّ من يُطلق الأغنية الهابطة، يعيش الحالة الفنية ويُصدّق موهبته ربّما بعدما سمع والدته تقول ‘صوتك حلو ماما غنّي’.
انتشرت منذ أسابيع قليلة أغنية ‘فارة’ للفنان الصاعد الهام مالك من كلمات عادل رفول وألحان رواد رعد ، الا أنّ الشاعر الذي لطالما اشتهر برقيّ معاني كلماته ، سقط هذه المرة في حفرة الكلام الهابط. فبعد النجاحات الكبيرة التي حققها من خلال ‘قلبي حاسس فيك’ للفنانة اليسا، ‘لرميك ببلاش’ للفنان ناصيف زيتون،’ ابن الضيعة’ للفنان غدي غانم وغيرها من الأغنيات التي تحمل معانٍ، وقع في شباك ‘الفارة’، التي بدلا من أن تكون خطوة ايجابية في مسيرته الفنية، باتت دعسة ناقصة.
‘الفارة’ ليست المشكلة، انّما هي الفتاة التي وُصفت بهذا المصطلح والكلام الذي يخلو من الأحاسيس أو المعاني . ‘قدّك قدّ الفارة صوتك ملّى الحارة، ويا فارة شو بحبك، انت اللي قلبي اختارا’، من خلال هذه الكلمات يعبّر إلهام عن حبّه لحبيبته، فيُغازلها ويناديها ‘فارة’، علما انّ مواصفات الفأر لا تمتّ بصلة لا الى الجمال ولا الى الدلال.
وفي الإطار نفسه، استخدم الشاعر كلمات ‘بليز، واو واو’ وأسماء مواقع التواصل الإجتماعي ‘فيسبوك’ ،’واتساب’ و’تانغو’ للتقرّب من الفئة الشابة التي غالبا ما تتأثر بكلّ ما يتعلق بالإنترنت، بالإضافة إلى جذب المستمعين، الا أنه خسر الرهان. وقد غاب عن بال الشاعر المخضرم أنه سيتعرّض للإنتقادات وهذا ما حصل، اذ انهالت التعليقات عبر مواقع التواصل الإجتماعي حيث اعتبرالبعض أن رفول لم يبتكر أي جديد بل صفّ كلمات لا تشبه ثقافته الأدبية.
من جهة أخرى، لا يقع اللوم على الشاعر فقط، فـ’الفارة’ أبصرت النور بفضل الملحن المعروف رواد رعد الذي لطالما اشتهر بألحانه الرائعة، الا أنه بذل جهده في وضع لحن جميل على كلام بدون معنى ، والهدف طبعا ليس الشهرة، فهكذا عمل يضرّ ولا ينفع.
أمّا لجهة الكليب، فتظهر ‘الفارة’ وهي تأكل قطعة من الجبن ليأتي القطّ ويلتهمها بدوره، في إشارة إلى أن الفتاة فريسته. عذرا ، فما يظنه الفنان والشاعر دلالا للمرأة، هو اهانة لها، فهي ليست فارة ولا فريسة.
أما الفنان الشاب إلهام مالك، فيملك صوتا مقبولا يخولّه دخول الوسط الفني كغيره من الشبان الذين يشكّلون ظاهرة في هذا المجال. الا أنّ ‘الفارة’ لم تُعطه حقه، كما أن الرأي العام لم يأخذه على محمل الجدّ، فوضعه في خانة الدّخلاء على الوسط الفني.
تغيّر مفهوم الفن اليوم لدى البعض، فبعد أن كان الفنانون والشعراء يتنافسون على الكلام الجميل منذ عشرين عاما، بات بعضهم اليوم يتسابق على عدد الأغنيات التي يُؤلفها دون أي احترام لفكر الجمهور الذي بات يخضع ‘لغسيل دماغ’ ممنهج نجح في جعل المستمع يغضّ النظر عن ركاكة الكلمات وسخافة المعاني.
في الختام، ‘الفارة’ خدمت الهام مالك رغم سخافتها، فالتصق اسمه بها حتى بات يُعرف بـ’مغنّي الفارة’. وأمام هذا الواقع تُطرح مجموعة تساؤلات: ‘أمام أي نوعيّة جمهور سيؤدّي الهام تحفته الفنيّة؟ وعلى أيّ مسرح ستطلّ ‘فأرته’؟ وبأي حيوان سيستعين مالك في أغنيته المقبلة لمغازلة حبيبته؟
سينتيا الخوري