يتزامن اليوم العالمي لحقوق الإنسان 11 ديسمبر مع تعرض المعتقلين الإماراتيين مع موجة من التسمم الغذائي نتيجة سوء التغذية والإهمال المتعمدان من إدارة سجن الرزين السياسي في العاصمة أبوظبي وسط جملة من الانتهاكات الفجة لحقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويحتفل الحقوقيين في سجون جهاز أمن الدولة للعام الثالث على التوالي، مع انتهاكات بشعة شملت التعذيب والحبس الانفرادي والاختطافات، والضرب، وسحب الجنسيات، والأحكام السياسية بحق العشرات منهم.
ويبلغ عدد المعتقلين الذين مازالوا يقبعون في السجون الرسمية والسرية في إحصائية خاصة بمركز الإمارات للدراسات والإعلام 204 معتقلا يحملون 13 جنسية وهي( الإمارات، مصر، ليبيا، اليمن، قطر، تركيا، سوريا، فلسطين، لبنان، الأردن، تونس، جزر القمر، الجزائر)، فيما تفوق حالات الاعتقال منذ 2012 وحتى أكتوبر 2014، 500 حالة اعتقال. وما يزال 108 معتقلا إماراتياً، بينهم 79 من النشطاء الحقوقيين المطالبين بالإصلاحات السياسية، وشنت السلطات عليهم حملات متعاقبة منذ 2012 ،وجرى الحكم على 70 منهم في أحكام سياسية فجّة تتعلق بحرية الرأي والتعبير في البلاد، فيما ينتظر عشرة آخرون محاكمتهم فيما تجري محاكمة واحد فقط منهم وهو الناشط أسامة النجار. وجميع هؤلاء المعتقلين أكدوا أنهم تعرضوا للتعذيب أثناء التحقيقات، فيما يقبع 23 سلفياً بتهمة دعم الثورة السورية، واثنين آخرين يجري محاكمتهم بدعم جبهة النصرة وأحرار الشام ضمن جنسيات أخرى.
وطالبت الأمم المتحدة بالإفراج 61 معتقلاً إماراتياً جرى الحكم عليهم في يوليو2013 بالسجن بين 10 و سبع سنوات في قضية 94 إماراتي، وتم تصنيفهم بالمعتقلين تعسفاً، وسبق أن نشرت الأمم المتحدة تقريراً أكد أن الجهاز القضائي الإماراتي يتعرض للتدخل من قبل السلطة التنفيذية وجهاز أمن الدول، ودعت الإمارات إلى التحقيق في اتهامات بالتعذيب، لكن في العادة لا تعلق السلطات على هذه التقارير، أو الاعتراف بوجود حالات الاعتقال.
وتعددت أشكال التعذيب بين تعذيب جسدي ونفسي وصل حد الإرهاب بتهديدهم بقتل عائلاتهم لإجبارهم على التخلي عن الإصلاحات السياسية داخل الدولة، وبعد أن خرجوا للسجون الرسمية بعد قرابة عام على الإخفاء في سجون غير معلومة، بدأت مرحلة التنصل من حق الأهالي في معرفة أحوال سجنائهم، وابتدعت قوانين جديدة للزيارة والاتصال مجهولة الهوية والمصدر،ففي الزيارة -إن وجدت ترفض السلطات أحياناً وأحياناً أخرى ترفض إدارة السجون بلقاءهم- وضع جهاز الأمن حائط زجاجي ويتم الحديث بين الزائر والمعتقل عبر الهاتف يمنعون خلالها من لقاء عائلاتهم والسلام عليهم أو تلمس أيديهم حتى الأطفال يمنع الآباء من احتضانهم.
وتقول منظمة ريبريف البريطانية أن 75 % من السجناء في الإمارات يتعرضون لأشكال من أشكال التعذيب. وتعرض الحقوقيون في سجن الرزين لجملة من تلك الأشكال بينهم المعتقل الدكتور محمد الركن نائب رئيس جمعية المحامين الإماراتيين، والدكتور محمد المنصوري رئيس مركز الإمارات للدراسات والإعلام (ايماسك) والمستشار السابق لحاكم رأس الخيمة.
تسمم الغذائي
وتعرض المعتقلون في سجن الرزين لتسمم غذائي شديد نتيجة سوء التغذية والإهمال المتواصل من إدارة السجن. بحسب معلومات وصلت في 10 ديسمبر.
وأكدت مصادر خاصة لـ ايماسك أن حالات التسمم الغذائي وقعت في العنبر 10 وهناك أنباء عن حالات تسمم غذائي في بقية العنابر.
تدهور الحالة الصحية والنفسية
مع كل تلك الانتهاكات يضاف إليها “سياسة التجويع” المستمرة فالمعتقلون يجففون الخبز ليتمكنوا من أكله في وقت لاحق. وظهر واضحاً في المعتقلين نقص أوزانهم جراء نقص الغذاء الشديد. خصوصا لأن أغلبهم يعانون من أمراض مما يلزم السجن بتوفير كمية ونوعية خاصة من الأطعمة وهو ما لم يحدث؛ وأدى منعهم من شراء الطعام من مخزن السجن إلى انهيار عدد منهم في السجون، فيما تواصل إدارة السجن منع البيع لهم أو وصول طعام من أهاليهم في زيارات نادرة.
ويجري حالياً حبسهم في زنازينهم من العاشرة ليلا إلى الخامسة فجرا في ظلام دامس لا يكادون يبصرون أصابعهم أو التحرك. في وقت تم إغلاق نوافذ كافة الزنازين بالطوب، مما منع دخول الضوء الطبيعي. مما يعرضهم للأمراض النفسية كالجنون؛ وسبق أن ظهر معتقلين في محاكمة الإصلاحيين الـ94، يخافون الضوء، ومصابين بهستريا نفسية بسبب بقائهم لفترات طويلة في سجون سرية مظلمة. ويجر حرمانهم من الخروج في أوقات النهار مما أدى إلى نقص فيتامين دال وحالة الاصفرار المرافقة له. مما أوجب إعطائهم أقراص فيتامين دال إضافي كل ليلة.
لقد أغمي على كثيرين ومنعوا من زيارة الطبيب، فيما أجريت عمليات مستعجلة لآخرين أدى الإهمال إلى فشل أعضاء في أجسادهم، ثم أعيدوا إلى الزنزانة دون أن يبقوا في المشفى كما يطلب الطبيب؛ المعتقل طارق القطان في مارس الماضي وصل من المشفى إلى السجن الانفرادي عقب خضوعه لعملية جراحية مستعجلة نتيجة الإهمال الطبي في السجن ورغم بقاءه أيام قليله في المستشفى تم إخراجه إلى الزنزانة الانفرادية، أجبره هذا الانتهاك للإضراب عن الطعام والماء والدواء حتى إخراجه من السجن الانفرادي بعد يومين. لقد تم منعهم من تناول أدويتهم، بالإضافة إلى إقفال غرفة الصلاة بأوامر من أحد الضباط برتبه (عقيد) رغم الشكاوى والمناشدات المتكررة، وحرمانهم من الماء الدافئ في ظل الأجواء الباردة، فيما يوجد حمام واحد فقط للاستحمام لعشرة معتقلين.
وفي أغسطس 2013 أضرب 18 معتقلاً عن الطعام لمدة 48 يوماً بسبب استمرار الانتهاكات وتضامنت المنظمات الدولية معهم، دون الاستجابة لمطالبهم بوقف الانتهاكات واحترام القانون والدستور الإماراتيان!! وتم تعليق الإضراب بعد انهيار أجسادهم وإشرافهم على الهلاك وسقوطهم في السجون نتيجة الإعياء الشديد: وهم الدكتور محمد المنصوري و سالم الشحي ، والقاضي ، محمد سعيد عبدولي ، والمستشار علي الكندي ، نجيب الأميري وأحمد القبيسي الفلاسي ، منصور الأحمدي ، سيف العجله ، عبدالله الهاجري ، فهد الهاجري ، علي الخاجة ، أحمد الزعابي ، عبد الرحمن الحديدي ، هادف العويس ، عبد السلام درويش ، راشد سبت و و محمود الحوسني .
الحبس الانفرادي
ويجري نقل المعتقلين السياسيين من سجونهم إلى “عنابر” أخرى بما يجعلها شديدة الاكتظاظ بغرض البناء والترميم فيما أن السجن حديث البناء حيث أنهيَ بناءه في ديسمبر 2012م، ويبدو أن التوجه القائم لتحويلها إلى سجون انفرادية جماعية بحيث يصبح كل “زنزانة” مغلقة على من فيها، وبهذه الطريقة يصبح معزولاً عن البقية، وذكرى السجون الانفرادية والسرية في الإمارات مليئة بالتعذيب والانتهاك والإجرام المنظم؛ يأتي ذلك منعهم من أداء الصلوات في جماعة، والمنع من ممارسة الرياضة بشكل جماعي، والخروج إلى الشمس إلا ما يتم وضعه في حكم “النادر”.
وبقى المعتقل المهندس الصناعي الدكتور أحمد بن صقر السويدي منذ 29 نوفمبر الماضي في السجن الانفرادي ولم يعرف ما إذا كانت إدارة السجن قد أخرجته أم لا نتيجة اعتراضه على الانتهاكات التي يتعرض لها وزملاءه.
و وضعت السلطات الأمنية بسجن الرزين المعتقل السياسي الدكتور محمد الصديق في سجن الرزين في أغسطس الماضي لأنه وضع فتات الخبز والماء للطيور في فناء السجن!!
وتعرض الحقوقي خالد فضل أحمد جاسم يوم 26 سبتمبر إلى الحبس الانفرادي لمجرد أنه استفسر أحد الضباط عن مكان الوقوف خارج العنابر بعدما أمرهم الضباط بالخروج. فتم حبسه في زنزانة انفرادية وأخذ للتحقيق في المساء وكتب الضابط كلاما مخالفا لواقع الحال فرفض خالد التوقيع عليه فكانت عقوبته بأن بقي في الحبس الانفرادي إلى يوم 28 سبتمبر مقيد اليدين والرجلين مما سبب له آلاما شديدة على مستوى يديه وأصابعه وصعوبة في تحريك اليدين.
وجرى الاعتداء على أكثر من 21 معتقلاً منذ منتصف مارس الماضي بالضرب، وتم وضعهم في السجون الانفرادية: الدكتور محمد المنصوري و الدكتور محمد الركن و السيد علي الخاجة، و السيد فهد الهاجري، والناشط الشبابي عبدالله الهاجري، و الدكتور هادف العويس، و السيد عبدالرحمن الحديدي، والدكتور سيف العجلة و المحامي سالم الشحي و الناشط خليفة النعيمي، و آخرين غيرهم؛ ومنع السيد عبدالسلام درويش من العلاج رغم إصابته بشلل عصبي، وأدى إهمال صحتهم إلى تدهورها، فالأدوية ممنوعة إلا ما ندر، وزيارة الطبيب ممنوعة إلا في أحلك الظروف.
رهائن
وسبق أن اشتكى الحقوقي الإماراتي المعروف والمعتقل الدكتور محمد الركن للنائب العام عن وضع المعتقلين في سجن الرزين بقوله “نشعر في سجن الزين بأننا رهائن ولسنا مساجين،السجين يحكمه قانون أما الرهينة فهو تحت رحمة الخاطف”
و زار وكيل النيابة العامة خالد الحوسني سجن الرزين السياسي في 29 نوفمبر الماضي، والتقى عدد من المعتقلين في السجن الذين شكوا من المعاملة السيئة لإدارة السجن وجهاز أمن الدولة مطالبين بحقوقهم الدستورية والقانونية.
وعلق الحوسني على مطالبة المعتقلين بالقول: ”هذا ما جنته أيديكم…ليس للسجين حقوق”. وتلفظ بألفاظ غير لائقة وانتهت الزيارة بمشادة كلامية نتيجة التجريح المتعمد من قبل وكيل النيابة.
ودخلت حراسة السجن على العنابر و قاموا بمصادرة الدفاتر والأوراق الخاصة والكتب وبعض المأكولات من السجناء، واخذ السويدي إلى الانفرادية في نفس الوقت.
وغالباً ما يهاجم الجنود النيباليون المعتقلين السياسيين في السجن ويقومون بمصادرة أوراقهم وبقايا الخبز الذي يجري الاحتفاظ به بالإضافة للاعتداء عليهم.
حق الزيارة
تتوزع الانتهاكات بين المعتقلين وأهاليهم، ففي وقت يلاقي النشطاء في السجون حملة إذلال ممنهج بالتفتيش المتواصل، ومصادرة أي أوراق ومنعهم من الكتب، وتصفيدهم بالأغلال في الأيدي والرجلين والوضع في المنفردة، تمارس إدارة السجن كذباً على أهالي المعتقلين بأن المعتقلين يرفضون مقابلتهم، أو أن الزيارة ممنوعة رغم وجود تصريحات تمكث العائلة أياماً وربما شهوراً للحصول على تصريح من عدة جهات، وتعود العائلة للمنزل مع أطفال يبكون ويشكون، في عودة لمسافة تقدر بـين ثلاث إلى 6 ساعات من السفر المتواصل كلما حضرت إلى مكان السجن.
وفي ذات السياق تمنع عائلات المعتقلين من السفر، وتجمد حسابتهم البنكية منذ ابريل 2012، كما يوجد أكثر من 200 إسماً من العائلات الإماراتية ممنوعون من السفر خارج الإمارات، وشمل تجميد الأرصدة الأطفال والموتى والنساء والمرضى وكل من له علاقة من أقارب المعتقلين، بالإضافة لسياسة التعسف في الوظيفة العامة والتمييز في المعاملات الحكومية، ويجري محاولات عزلهم اجتماعيا بتهديد جيرانهم وأصدقاءهم من استمرار زيارتهم أو لقاءهم.
وحكّت الناشطة أسماء الصديق رواية “مأساوية” لتعامل إدارة سجن الرزين مع زيارات أهالي المعتقلين السياسيين، وهو ما أكدته منظمات دولية في تقاريرها الدولية، حيث تصف ابنة الشيخ الدكتور محمد الصديق وزوجة الناشط الحقوقي عمران الرضوان سجن الرزين الصحراوي بالقول: بوابة حديدية ضخمة تسبقها حواجز إسمنتية ونقطة تفتيش تفتح على نقطة تفتيش أخرى مكان رمادي برغم الأشجار التي زرعت في الرمال القاحلة مكتب تفتيش قذر مليء بالبعوض شتاءا وبالذباب صيفا شرطي وشرطيتان.
وتضيف: في هذه الغرفة تنتزع أطواق البنات الصغار من على رؤوسهن وكذا ربطات الشعر.. تنتزع أساور الحلي من أيادي الجدات والأمهات اللواتي لم تفارق معاصمهن لسنوات بحجة المنع.. يمنع الآباء الكبار الذين انحنت ظهورهم وخط الزمان في وجوههم تضاريسه من ارتداء نظارة شمسية واقية من حر الشمس التي تخرق الرؤوس أو حمل المناديل الورقة بحجة المنع.. يسمح لبعض الأبناء بالدخول لزيارة الأب المشتاق ويجبر البعض على الانتظار خارجا لان العدد المسموح به 4 فقط.”
وتضيف زوجة الدكتور علي الحمادي في تغريدات على تويتر بالقول: حتى اللصق الطبي بحجم الدرهم يطلب نزعه في غرفة التفتيش..بل يُطلب إلقاء اللبان حتى لو كان من يمضغه طفلا.
وتقول زوجة الحمادي: الأكثر إيلاماً عندما تفتش امرأة تجاوزت الـ 60 عاما يتحسسون حتى إذنها إذا تلبس حلق..وتنزع نعليها أكرمكم الله دون احترام لسنها؛ مضيفةً: يمنع الأطفال من الحليب والماء خلال زيارة آباءهم في سجن الرزين بأوامر من جهاز الأمن ! في تعسف مستمر لا يسلم منه أطفال.
وتوضح ابنة الصديق بالقول: تمنع الزوجة التي قطعت مئات الكيلومترات حتى تصل لسجن الرزين من زيارة زوجها وكان بينها وبينه أمتار لأنه أراد تغيير مكانه في غرفة الزيارة يعود الأطفال أدراجهم ولا يسمح لهم برؤية والدهم والدموع تملأ أعينهم بعد مسافات وأشواق لأنهم نسوا بطاقة الهوية في هذا المكان تنعدم الإنسانية ويشحن الهواء بمواد توقف نبض القلب عن الإحساس بمعاناة الآخرين.. فلا مراعاة لأطفال أو كبار في السن أو نساء.
أخيراً
يمر اليوم العالمي لحقوق الإنسان فيما نشطاؤه يعانون في سجون الإمارات وتمعن السلطات الأمنية في أذلالهم لمطالبتهم بالحق بحرية التعبير. إنها دعوة لكل نشطاء العالم في يومهم العالمي التضامن مع زملاءهم في الدفاع عن الحقوق في الإمارات وسط هذا التردي القاتم خلف الابتسامة السياحية والاقتصادية التي تقدمها الإمارات وتغرس أنيابها خفية على نشطاء الدولة الحقوقيين.
إيماسك