يشهد الشرق الأوسط اضطرابات لم يسبق لها مثيل، وتدل جميع المؤشرات على أن حالة الاضطراب هذه سوف تستمر في المستقبل المنظور للمنطقة. ومن اليمن، إلى البحرين، وسوريا، ولبنان، من المرجح أن تبقى الأجندات الطائفية والمناورات الجيوسياسية لاثنتين من أكبر القوى الإقليمية، وهما إيران والمملكة العربية السعودية، العوامل الرئيسة التي تغذي نار هذه الاضطرابات.
وعلى الرغم من تعهد السلطات الإيرانية بأن تلتزم بمبدأ الوحدة الإسلامية، إلا أن نظرتها إلى المملكة العربية السعودية كانت قائمة دائما على أساس الشك الديني والمنافسة الإقليمية. ولكي نكون منصفين لقادة الجمهورية الإسلامية، لا بد من التذكير بأن مشاكل إيران مع السعوديين سبقت مجيئهم إلى السلطة ببعض الوقت.
وكانت إيران والمملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة في منافسة جيوسياسية في منطقة الخليج، بما في ذلك في عهد الشاه محمد رضا بهلوي (1941-1979). ولم يؤد إنشاء الجمهورية الإسلامية في عام 1979 إلا إلى تفاقم التوترات فقط، وخاصةً بسبب الخلافات الطائفية المتصاعدة. وفي حين تسعى طهران إلى تصدير أيديولوجيتها الشيعية الثورية، يقوم السعوديون بتمويل الحركات الراديكالية السنية ضد الشيعة من شبه القارة الهندية إلى بلاد الشام.
وعندما أزالت الولايات المتحدة صدام حسين، مما مهد الطريق للشيعة للاستيلاء على السلطة السياسية في بغداد، أصبح السعوديون أكثر سخطًا والتزامًا على حد سواء بوقف تمدد إيران وحلفائها في المنطقة. وقد تكشف آخر فصول السباق الإيراني السعودي على النفوذ على عتبات الرياض في اليمن، حيث استولت حركة الحوثي الشيعية والمناهضة للسعودية على العاصمة صنعاء.
وفي سياق المنافسة الإيرانية-السعودية، تعد التصورات ذات أهمية كبرى. وبينما يفكر السعوديون في الخطوة القادمة ضد طهران، هنا سرد لأربع قدرات إيرانية ينبغي عليهم أخذها بعين الاعتبار:
1- القوة الصاروخية
أعلن وزير الدفاع الإيراني في ديسمبر أن بلاده الآن هي رابع أكبر قوة صواريخ في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين. وكان هذا الادعاء متبجحًا نوعًا ما، وفيه مبالغة بلا شك، ولكن الحقيقة هي أن إيران قد جمعت عددًا هائلًا من الصواريخ الهجومية واسعة النطاق.
ومنذ أيام الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، عندما وجدت إيران نفسها فجأةً غير قادرة على شراء قطع الغيار الأمريكية، بدأ المخططون في طهران بإنتاج الصواريخ باعتبارها وسيلة للتعويض عن القوة الجوية التي تراجعت، وعن النقص في الأسلحة الاستراتيجية الأخرى. وللتعويض، لجأت طهران إلى دول مثل الصين، وكوريا الشمالية، وسوريا، وليبيا، وبفضل سنوات من الهندسة العكسية، خلقت إيران خطًا فعالًا لإنتاج الصواريخ القوية.
وتعد المملكة العربية السعودية اليوم ضمن نطاق مدى الصواريخ البالستية الإيرانية. وقد جعلت طهران من الواضح أنه إذا ما سمحت دول الخليج العربية في أي وقت باستخدام أراضيها من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل كمنطلق لمهاجمة إيران، فإنها سترد بوابل من الصواريخ على مدن الخليج العربي.
2- الهجوم الإلكتروني
من الممكن القول بأن المملكة العربية السعودية كانت أول ضحية لهجوم إيراني عبر الإنترنت. وفي أغسطس 2012، تعرضت أرامكو السعودية لهجوم إلكتروني هائل أدى إلى تدمير عدد كبير من أجهزة الكمبيوتر في الشركة. ومن المفترض أن يكون ذلك الهجوم انتقامًا لهجوم مماثل على صناعة النفط الإيرانية، تم شنه على الأرجح من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل.
وكان السعوديون على ما يبدو هدفًا مناسبًا لانتقام طهران. وفي العقد الماضي، تطورت القدرات الهجومية الإيرانية في مجال الحرب الإلكترونية بمعدل سريع، وأصبح هذا المجال سلاحًا رئيسًا بالنسبة للجمهورية الإسلامية.
وارتفعت أهمية الفضاء الإلكتروني كثيرًا، لدرجة أنه، وفي مارس 2012، أصدر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي مرسومًا يقضي بإنشاء المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي (SCC).
وقد يدعي الإيرانيون أنهم من بين قوى الإنترنت الخمسة الأولى على كوكب الأرض، بعد دول مثل الولايات المتحدة، وروسيا، والصين. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء مبالغ فيه، ليس هناك أي شك في أن قوة الإنترنت الإيرانية في ارتفاع.
3- المجموعات العاملة بالوكالة
إذا كان لدى إيران حليف واحد لا بديل له، فهو حركة المقاومة الشيعية اللبنانية حزب الله. وقد ثبتت فائدة حزب الله بالنسبة لإيران فيما هو أبعد من حدود لبنان. كما إن الهوية العربية لحزب الله تعطي إيران درجة من الوصول إلى العالم العربي لا يمكن لطهران الحصول عليها من تلقاء نفسها.
وبفضل هذا الطابع العربي، يعد حزب الله الأداة المفضلة بالنسبة لعلاقات طهران العامة الرامية للوصول إلى الشارع العربي. وعندما ينتقد زعيم حزب الله، حسن نصر الله، آل سعود وسياساتهم، فإنه يردد بلا شك صدى أفكار بعض العرب العاديين بطريقة أفضل مما لو ردد الفارسيون نفس التهم. وبعبارة أخرى، تعتمد حملة العلاقات العامة الإيرانية ضد الرياض على حزب الله. وقناة حزب الله التلفزيونية، المنار، هي مثال جيد عن حملة الرسائل الاستراتيجية الإيرانية ضد السعوديين.
4- الحرب البحرية
هددت إيران منذ فترة طويلة بإغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره الكثير من شحنات النفط إلى العالم. ومما لا شك فيه أن طهران سوف تعاني مثلما ستعاني دول الخليج الأخرى جراء هذا السيناريو، نظرًا لاعتمادها على عائدات النفط. إلا أنه، وفي حال تصاعد حدة التوتر، فإن لدى الإيرانيين الدافع والقدرة على حد سواء لزعزعة حركة المرور البحرية في هذا الممر العالمي الهام، إن لم يكن وقفها تمامًا.
ولدى إيران مجموعة من الصواريخ المضادة للسفن، والألغام، والغواصات الصغيرة، وزوارق الطوربيد، التي يمكنها تعطيل حركة الشحن في مضيق هرمز. وفي عام 1985، أنشأ الإيرانيون وحدة عسكرية بحرية كجزء من الحرس الثوري الإيراني. وفي عام 2007، أعطيت هذه الوحدة السيطرة التشغيلية الكاملة على مياه الخليج، وأعطيت البحرية الإيرانية العادية مهمة العمل في أعالي البحار خارج مضيق هرمز.
ولا يتطلع الإيرانيون إلى تعزيز قبضتهم على مضيق هرمز فقط، بل وتشير تصريحاتهم العلنية إلى أن الهدف هو زيادة الوجود الإيراني في كل من باب المندب وقناة السويس أيضًا، وهما نقاط الاختناق الإقليمية الهامة الأخرى بالنسبة للمملكة العربية السعودية.
اليكس فاتانكا – ناشيونال إنتريست (التقرير)