قد يتفاجأ من يسمع أن هناك تعددا للزوجات في الولايات المتحدة، وقد يكون من الأغرب أن من يمارسونه ليسوا من المسلمين كما قد يخطر على البال في الوهلة الأولى.. بل مسيحيون.
نعم، هناك طائفة مسيحية أميركية من المورمون مارست تعدد الزوجات ولا يزال عدد من أتباعها من رافضي التحديث يمارسون هذه العادة في مجتمع منغلق على نفسه رافض للمتطفلين، ومن الصعب جدا مغادرته.
وفيما ينتمي أكثر من ستة ملايين أميركي اليوم إلى طائفة المورمون، تتبع غالبية الأميركيين المسيحيين الكنيسة البروتستانتية.
من هي طائفة المورمون؟
يعود تأسيس طائفة المورمون إلى جوزيف سميث الذي ولد في عام 1805 في فرمونت. تأثر سميث خلال طفولته بالحركة الدينية في منطقة مانشستر في نيويورك حيث كان يسكن مع عائلته. وفي عام 1820، عندما كان في الـ14 من عمره، قرر أن يبحث في الأديان إلى أن يستقر على الدين الذي يرتاح إليه قلبه.
وبحسب روايته، زارته ذات صباح في عام 1820 في غابة قصدها للصلاة، “شخصيتان” عرفتا عن نفسيهما بأنهما الرب الأب والمسيح، وأبلغتاه بأن لا ينضم إلى أي كنيسة.
وفي عام 1823، أعلن سميث نزول وحي عليه من السماء أخبره بأنه رسول إلى القارة الأميركية، وأن ألواحا ذهبية تحتوي على نصوص مقدسة مكتوبة باللغة المصرية القديمة، ستظهر على يديه.
وفي عام 1827، أبلغ سميث أتباعه بأن ملكا اسمه موني أرشده إلى مكان دفت فيه الألواح الذهبية التي قام في ما بعد بترجمتها إلى الإنكليزية.
وفي آذار/مارس 1830 أصدر سميث “كتاب المورمون” المقدس الذي يعتبره أتباع الطائفة تكملة للتوراة والإنجيل.
وبعد العثور على الألواح بثلاثة أعوام، أسس سميث كنيسة يسوع المسيح للقديسين الجدد (LDS) وأصبح أول رؤسائها. لكن الطوائف المسيحية الأخرى وقفت ضد سميث، ورفضت طموحاته ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين أتباع الطرفين.
سميث شخصية مثيرة للجدل في التاريخ الأميركي، أحبه أتباعه فيما أكنّ له غيرهم كرها شديدا فكان معرّضا للاضطهاد معظم حياته على الرغم من تحقيقه الكثير من الإنجازات بينها توليه منصب رئيس بلدية نوفو، أكبر مدينة في ولاية إلينوي ومنصب قائد ميليشيا نوفو، وترشحه لرئاسة البلاد.
وفي عام 1844، هاجمت مجموعة من الأشخاص سميث فقتلوه وشقيقه.
كيف بدأ تعدد الزوجات؟
تزوج سميت في عام 1827 من إيما هيل، ووصفه الذين عرفوه بالزوج المثالي الذي كان يحب شريكة حياته ومخلصا لها. ورزق الاثنان بتسعة أبناء وتبنيا اثنين آخرين، لكن ستة منهم توفوا خلال سنواتهم الأولى.
وأوضحت كنيسة يسوع المسيح للقديسين الجدد (كنيسة المورمون) على موقعها الإلكتروني، أن الزواج بين رجل واحد وامرأة واحدة هو القانون الإلهي القائم بخصوص الزواج، مشيرة إلى أن الرب أمر البعض خلال العصور القديمة بالزواج من أكثر من امرأة. وأوضحت أن مؤسس طائفة المورمون تلقى أوامر ربانية بتشريع التعدد بين أتباع كنيسته في أوائل أربعينيات القرن الـ19، واستمرت الممارسة بين عدد منهم بناء على أوامر رئيس الكنيسة.
وذكر موقع هافينغتون بوست نقلا عن تود كامبتن، الباحث في طائفة المورمون قوله إنه أحصى 33 من زوجات سميث، فيما يعتقد أن عددهن قد يصل إلى 40.
وأوضحت الكنيسة أنها لا تدرك الحكمة الربانية من تشريع التعدد، لكن كتاب المورمون يشير إلى أن زيادة عدد الأطفال الذين يولدون ضمن عائلات مؤمنة من أحد الأسباب.
ويقول مؤيدي التعدد من المورمون إن تعدد الزوجات ساهم في نمو مجتمعهم، إذ أصبح الزواج متاحا لكل الراغبين فيه وتقلص الفرق في الثروة بين المواطنين إذ أتيح للنساء الفقيرات الانضمام إلى أسر في وضع اقتصادي ومادي أفضل، وفق ما يعتقدون.
وفيما كان للنساء الحق في الموافقة على الزواج من أسر تمارس التعدد أو الاكتفاء بزوج واحد أو حتى الامتناع عن الزواج، وفق الكنيسة، كثيرا ما قرر الرجال اتخاذ أكثر من زوجة بناء على تعليمات مسؤولين في الكنيسة، فيما كان القرار شخصيا بالنسبة لآخرين. لكنهم جميعا كانوا مطالبين بالحصول على موافقة زعماء الكنيسة قبل الزواج مرة جديدة.
القانون الأميركي يحظر التعدد منذ عام 1862
وفي فترة سميث، لم تكن ممارسة تعدد الزوجات مشروعة بموجب قانون البلاد. فقد أقرت الحكومة الأميركية في عام 1862 قانونا ضد تعدد الزوجات. وشرع المسؤولون الفيدراليون في متابعة الأشخاص الذين يمارسون التعدد من نساء ورجال بعد أن أيدت المحكمة الدستورية الأميركية القانون الرافض للتعدد في عام 1879.
وبدأت الكنيسة، بعد الملاحقات القانونية لكثير من أتباعها، في الامتثال للقانون الأميركي ودعت أتباعها إلى التخلي عن الممارسة. وتؤكد الكنيسة أنها وأتباعها ممنوعون منذ عام 1904 من ممارسة التعدد، مضيفة أنها دعت قادتها المحليين للإبلاغ عن أي مخالفين حتى يعرضوا أمام مجالسها التأديبية.
وفي الختام قالت الكنيسة إن التعدد بالنسبة للكثيرين ممن مارسوه كان امتحانا لإيمانهم، لأنه ينتهك المعايير القانونية وما هو مقبول في المجتمع، فضلا عن أنه يعرضهم للاضطهاد والمسبة.
ورغم موقف كنيسة المورمون الواضح إزاء منع التعدد، إلا أن هناك من لا يزال يمارس هذا التقليد وهم ينتمون إلى كنائس مورمونية أصولية بعضها قد لا يعترف بـ”كنيسة يسوع المسيح للقديسين الجدد”. ويقدر عدد المورمون الأصوليين بحوالى 10 آلاف شخص.
وفي السنوات الأخيرة، فتح بعض المورمون الأصوليين منازلهم أمام عدسات قنوات أميركية، وشارك بعضهم في
برامج تلفزيون الواقع بهدف تغيير الصور النمطية عنهم وعن اعتقاداتهم. ويؤكد هؤلاء أن نساءهم لا يرغمن على ممارسة التعدد وأنهن سعيدات بنمط حياتهن.
لكن هناك فئة أخرى، منغلقة على نفسها بشكل كبير، يقال إن “نبيها” وارن جيفس تزوج من 80 امرأة، قبل أن يحكم عليه بالسجن المؤبد بعد إدانته بعقد علاقات جنسية مع قاصرات.
المجتمع الذي خلقه جيفس لأتباعه، اخترق بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي قد يلجأ إليها كثير ممن انشقوا عن الطائفة وغادروها، إلى جانب برامج تلفزيونية تفشى فيها أسرارهم التي لم يكن مطلع عليها سوى من يعيشون في “مناطق شبيهة بالمعسكرات أو السجون” كما يصفها البعض على الحدود بين ولايتي يوتا وأريزونا.
ومن بين المورمون الذين ترعرعوا في مجتمع مغلق ثم تركوا وأفشوا بعض أسراره، ريبيكا ماسر وفلورا جيساب. ألفت هاتان السيدتان كتبا عن حياتهما في بيئة مختلفة عما هو مألوف في الولايات المتحدة وأعطتا تفاصيل عن التصرفات المثيرة للجدل لطائفة المورمون الأصولية التي كانتا جزءا منها، ومن بين هذه التصرفات تعدد الزوجات وزواج الإناث في سن مبكر.
وجيساب، التي تركت الطائفة عندما كانت في الـ16 من عمرها، بطلة برنامج الواقع “Escaping The Prophet” أي”الفرار من النبي” وتساعد في “إنقاذ” فتيات ونساء على الهرب والتأقلم مع حياة جديدة يجهلنها”.
سوا