لعل من المفيد ان نعود قليلاً الى حين كنا امة واحدة ضمن دولة واحدة بلا حدود او حواجز، حيث لا كانتونات مجزئه تتقوقع داخل حدودها القطرية، تربي مواطنيها على قيم الوطنيه وحماية الحدود والخوف من الآخر -الذي غالباً ما يكون الاخ بالعقيدة- القادم لنهب الخيرات والثروات التي كانت فيما مضى ملكاً للجميع لا يقتصر الانتفاع بها على البعض الباذخ فيما الناس يموتون. انذاك كان الكل ينتقل لأي أرض يريد دون قيود او عوائق، فالارض واحدة كما الامة واحدة وكما العقيدة واحدة لذلك من الطبيعي وجود الجذور المشتركة بين العشائر والعائلات في كافة المناطق التي قسّمها وقزّمها وتقاسمها المستعمر وانتزع منها قلبها فلسطين ووهبها لقطعان جاء بها من كل بقاع الدنيا، وعمل على إثارة العداوات والنعرات الطائفيه والفتن والمذهبية والكراهية بين ابناء الامة الواحدة وزرع بجسدها عملاء من كل الاطياف يعملون من داخلها لتخريبها وتنفيذ مخططات تقوم على بث الخوف بين ابناء الامة كل من الآخر لترسيخ التجزئة لتسهل السيطرة عليهم ونهب خيراتهم وثرواتهم ولمنع عودة الامة لسابق عهدها موحدة تحت راية واحدة.
من خلال ذلك يمكن فهم أن الامة كلها مستهدفه لاجتثاثها والقضاء عليها قتلاً وتدميراً وتهجيراً، وما أن تفرقت الامة الى دول وشعوب حتى انقادت وأصبحت تابعاً لغيرها يخطط لتنفّذ، ويأمر فتطيع، يغزونا بعقر دارنا فنشاركه وندعمه ونسانده، يوغل فينا قتلاً واجراماً فنعطيه العذر ونعفيه من المسؤولية ونسامحه بالدية ونطمئنه أن لا انتقام، فنحن أمة مسالمه تقدّم شهادة بحسن سلوكها لإبناء الافاعي ليمدحها قتلتها حتى لو صرّح حاخامهم “بأن الله قد ندم على خلق العرب وأنهم أبناء الأفاعي ويجب القضاء عليهم”، ولا يخفى على احد ضعف وذلّ الامة وهوانها حتى اصبحت تعادي اخوتها وابناءها وتلهث خلف قاتلٍ تخطب ودهُ وتتولاه وتتفق معه وتستقبله بالاحضان والعناق حتى صدّق البعض بأننا فعلاً أعداء لا رابط بيننا وأن عدونا هو الحريص على وحدتنا ومستقبلنا، فغفلنا عما يصيبنا وتهاونّا بحقوقنا وتمسكنا بعصبية جاهلية وقطرية ضيّقة لنصبح جميعاً غرباء في اوطاننا نحتاج لاجتياز الحدود الوهمية التي لم يكن لها وجود إلا بفعل المستعمر لجوازات سفر وتأشيرات واذونات، فانشغلنا بأنفسنا وأخرجنا من اولوياتنا عدو مجرم يتربص بنا، وتحوّل الصراع مع العدو الى صراع الاخوة ، ولم نعد نكترث كثيراً لخطره وتهديداته الحقيقية المبنيه على اساس عقيدي، يؤمن بها ويعمل جاهداً لتطبيقها ونواجهها بالاستخفاف وعدم التصديق ولا نتخذ ضده أي اجراء يمكن أن يغضبه ونتنازل كما عن كل شيء حتى عن الاعتذار ونذهب نطلب بركاته وحضنه الدافيء، لن نلجمه حتى لو هدد بقصف مكة والمدينة، لن نواجهه لو هجّر البقية الباقية ولو رمى بنا جميعاً في البحر ليأكلنا السمك.
لابد من تذكير اصحاب الذاكرة المثقوبه والنفوس المريضة أن في فلسطين المحتلة أولى القلبتين وثالث الحرمين الشريفين وذُكرت بالقران الكريم والحديث الشريف، اليها هاجر سيدنا ابراهيم وفيها دُفن، إليها أسري بنبي الامة صلى الله عليه وسلم وعرج منها الى السماء وفي مسجدها صلى بالانبياء والملائكة إماماً، ,إليها قدِمَ امير المؤمنين عمر بن الخطاب ليتسلم مفاتيح بيت المقدس ويكتب عهدته ولم يذهب لغيرها من الاراضي التي فُتحت في عهده، فيها حملت مريم العذراء بعيسى عليه السلام وفيها وُلد، بأرضها دفن الكثير من الصحابة وغُرس الشهداء كأشجار الزيتون، هي أرض مقدسة تئن وتبكي بكل لحظة تحت وطأة اقدامه، تستصرخ امة غفلت عن تاريخها لتطهيرها من رجس المحتل وشروره، ارض ترتبط بعقيدة الامة ولولا هذا الرابط لما تحررت بالدماء بعد مائتي عام من الاحتلال الصليبي وبهذا الرابط فقط ستتحرر. نؤمن تماماً لن يستمر بفلسطين احتلال مهما طال لأنه طاريء والى زوال، لن تجدي نفعاً كل اتفاقيات الذل ومعاهدات العار لتثبيته بأرض ليس له بها تاريخ ولا وجود، تلك معاهدات نرفضها ولا نقرّ بها ولا نعترف بمن وقعها، وسنقتلع ذلك النبت الخبيث ونعود لوطن ترابه مجبول بدماء الشهداء نحمله بداخلنا، لن نستبدله إلا به ولن نتنازل عن حقنا بالعودة اليه ولتبحث تلك القطعان عن أرض غير أرضنا أو ليذهبوا وكل اذنابهم وعملائهم ومواليهم الى الجحيم.