كيف صار الديك استا ؟!
قصة بقلم : نبيل عودة
بعد ان أنجز مهمته الصياحية الصباحية ، محركا الكرة الأرضية بإتجاه الشمس ليبدأ يوم جديد، قال الديك الفصيح لنفسه : ” الديوك عادة تعمل مع أكثر من عشرين دجاجة بالمعدل ، ويستحق الديك مقابل هذا الجهد ان يحرر في الطبيعة ، حين يصبح ثقيل الهمة ، وغير قادر على تثبيت نفسه فوق ظهر دجاجة.”
وبعد تفكير أضاف : ” ربما لتحريره في الطبيعة فوائد جمة تجنى ، بأن يكون سفيرا فوق العادة ، وداعية في مديح نظام الخممة وأصحابها ، والتستر على جشعهم ، مما قد يحول الخممة الى مطلب نفوس الكثير من الديوك البرية التي يشتهي لحمها الانسان ، فتكون الفائدة مضاعفة ، في اللحوم ، وفي ادخال جينات جديدة وتحسين النوع الدجاجي وانعكاس ذلك على نوعية البيض وحجمه وطعمه وكميته ، ورفع القيمة الغذائية للحم الدجاج ، وارتفاع اسهم الدجاج في بورصة اللحوم “.
المهم ان يقتنع أصحاب الخممة بأن تحرير الديوك الى الطبيعة ، بعد استنفاذ قواها ، سيكون تفكيرا سياسيا ابداعيا ضمن رؤية مستقبلية سليمة ، وقد يطرح الموضوع للتصويت في الهيئة التشريعية ، ضمانا للتنفيذ ، وعدم ابقاء الموضوع ضمن الأخلاقيات المتقلبة لأصحاب الخممة .
التحرير في الطبيعة اقتراح عبقري . كان الديك الفصيح راضيا عن أفكاره . مثلا تستطيع الديوك المحررة ان تغري ديك النيص بهجر مغارته واللجوء الى خم دجاج . واغراء ديوك البط البري .. وديوك الحبش البري … وتخيلوا هذه الحركة المباركة ، تتقدم الديوك للإنضمام للخممة ، وتجر وراءها قوافلا من الأناث قليلات العقل ، اللواتي سيصير لحمهن فخر الموائد ، وبيضهن وجبة افطار دسمة .. وتكثر دعوات الطعام مما يسهل تقدم أصحاب الخممة والمقربين اليهم في المناصب البلدية والحزبية ووظائف الدولة ، وربما يصبح أحدهم ، مع انه حمار .. رئيسا لتحرير صحيفة أوحاملا لعصا الزعيم ، والمسألة هنا لا تتعلق بالعقل والذكاء والقدرات ، انما بموهبة معرفة رغبات الزعيم أو القابض على كيس المال .
“الفائدة هنا عظيمة ” ، قال الديك الفصيح لنفسه. وأضاف : ” أهم ما فيها ان الديوك تصبح معفية من التعرض للذبح والمعط والطبخ والألتهام “.
بعض الدجاجات كن يتهامسن ان الديك الفصيح منذ بان عجزه ، ازدادت فلسفته وثرثرته . وواحدة تجرأت وقالت بعدم اكتراث انه : ” يغطي على قصوره بطول لسانه ” وأخرى قالت : ” وضع مكانه ديك شاب يحرث ويدرس لبطرس … يقوم بكل أشغاله وتسجل باسم الديك الفصيح “. وقالت واحدة تبدو من اللعوبات : ” ديوك الجيران تتطاول على دجاجاته ، ويظن صاحب الخم ان الديك بألف خير .. ما شاء الله “.
ورغم قصورات الديك الفصيح ، الا انه يتلقى الدعم من ديوك حلفاء ،يأتون جماعات جماعات لمبايعته رئيسا لمجلس الديوك والتقاط الصور بقربه حتى لا تبقى زلاتهم السابقة عالقة بهم مدى الحياة. رغم انه معروف للجميع ، بان الديك الفصيح سينتدب من يحل محله في رئاسة مجلس الديوك أيضا . وعقبت دجاجة وقحة انها تتوقع ان: ” ينافس الديك الفصيح على منصب سكرتير عام الأمم المتحدة واذا فاز به يعين من يدير بإسمه شؤون ديوك العالم البشرية .. وليس شؤون الديوك الدجاجية فقط ” !!
تلك الدجاجة الوقحة كسرت ساقها بحادثة عمل فسارع صاحب الخم الى ذبحها .
كان الديك ، الى جانب ما يشغل وقته القليل ، اذا أخذنا بالحساب ساعات اليقظة ، هو اقرار مسودة قرار تؤكد مكانته ، وبذهنه أن هذه المكانة لا تقل عن مكانة أي صاحب فخامة أو جلالة. بصراحة ليس أقل من صفة ملك . وهذا يمنع ان يتعالى علية القواريط أو يعترضوا على رغباته التي بدونها : ” هو لن يكون هو نفسه “. وبالتالي يا ويل الجماهير التي تقاقي ، عندها لن تنفعها حتى مقاقاتها . كان ، مثل كل ُمتوج ، يريد الطاعة والإخلاص لتعاليمه . كانت الديوك الشابة فخورة بديكها
الفصيح وتسحج وهي تصفق بجناحيها مولدة تيارات هوائية منعشة للديك الفصيح لانه علمها :” ان الديوك لا تبيض .. وأن البيض هو واجب وطني للدجاج لمنع انتشار الجوع “.
في عصر أحد الأيام ، وعلى غير العادة … حدثت حركة حول مهجع الديك ، في ساعات كان من المفروض ان يقضيها نائما . “استيقظ الديك ” انطلق صوت بعض الدجاجات .. منبها الى ضرورة الاستعداد لاستقبال الديك بما يليق بمكانته . ولكن الديك جلس مثقلا من الإرهاق في مكانه ، رغم ان “تعبه من كثرة الراحة ” كما همست دجاجة ملثمة حتى لا يصير بها ما صار بغيرها من حوادث عمل أو نفوق لأسباب مجهولة . وبسرعة وقف الى جانبه المفوض بادارة الخم باسمه .
أجال الديك الفصيح ببصره في وجوه الدجاجات والديوك الصغار حوله وسألهم بدون مقدمات :
– هل تعرفون من هو الملك الحقيقي في الخم ؟
– انت هو الملك .. انت يا ديك الديوك ..
كان الرد جماعيا وبصوت واحد. ولكنه لم يهتز، ولم يتأثر . فهو يعرف مكانته .قال لهم مستاء:
– السؤال ليس شخصيا يا غبيات متغنجات …
– اذن ما القصد يا رئيسنا؟
تنحنح . أمسكته قحة قوية ، كادت تكتم أنفاسه ..انتظرت الدجاجات بفارغ الصبر خروج روحه والتخلص من هذا الموقف الحرج أمامه وأمام أسئلته الغريبة. . ولكنه أخذ نفسا طويلا وواصل:
– قصدي من هو الملك في أجسادنا يا شاطرات ؟
قلن بتردد وببعض الحياء :
– الملك هو ما يملكه الديوك ونفتقده نحن الدجاجات؟
ضحك بسعادة مما خفف وطأة التوتر وعلت الابتسامات الفرحة على وجوه الدجاجات .
– ايضا تملكن ما نشتهيه نحن الديوك ولا تطيب لنا الحياة بدونه ؟
– اذن تساوينا !!
سارعت الى القول دجاجة نضرة .
– ُطب الجرة على ُتمها بتطلع الدجاجة لأمها … يعني غبية بنت غبية .
فاصيبت المسكينة بالصدمة والرعب على مصيرها.. والندم لتسرعها بالإفصاح عما فهمته . وشعر الدجاج انه أمام معضلة صعبة ، قد تكلف المتفوهين أو المتفوهات بما لا يتلاءم مع فكر الديك الرئيس ثمنا رهيبا . حتى منفذ أعمال الرئيس آثر الصمت ورسم ابتسامة مدعي الفهم على شفتيه ، و”هو مش فاهم أيضا ” همست دجاجة لصاحبتها .
– يا سيداتي اللواتي لا تنفعن الا للركوب والبيض ، في جسم كل منا ، ذكورا واناثا لا فرق ، ملك لا يمكن معارضته .
– وهل يوجد ملك غير سعادتك ؟
وانطلق صوت منفذ أعمال الرئيس على غير عادته :
– أبدا .. أبدا .. أبدا
– أصمت .. انت أيضا لا تفهم شيئا !!هل تريد ان أصنفك مع قليلات العقل ؟!
وساد صمت ثقيل. كسرته دجاجة بخوف وتردد:
– اذن يا رئيسنا هل يوجد في جسمي ملك ؟!
ضحك الديك الفصيح وقح :
– بالطبع هناك ملك .. ولدى كل دجاجة وديك ملك ولدى صاحب الخم ملك ولدى زعيم الحزب ملك .. وحتى لو كانت دجاجة مشوهة لديها ملك …
– كيف يجوز ذلك .. لم نسمع ان في الدجاجات ملوكا ؟
– سأشرح الموضوع … لكل دجاجة أو ديك أو بشر .. رأس فيه عقل .. وفيه عينان وفيه فم وأنف وكلها حيوية لكل واحد منا .. ولكل منا قلب ينبض ، ورئات تضح الهواء ومعدة تهضم واست تفرغ …فمن هو الملك من بين الأعضاء التي ذكرتها؟
وتعالت الاجابات بحماس :
– الرأس هو الملك
– العقل هو الملك
– القلب هو الملك
– العينان هما الملك
– المعدة هي الملك
– الرئتان هما الملك
ورفع الديك الفصيح يده باشارة أعادت الصمت . وأعطى لكل مجموعة ان تفسر لماذا تعتقد ان الطرف الذي اختارته هو الملك .. والديك الفصيح يستمع بصمت ويبتسم من غباء دجاجاته . اشاربيده فصمتن.وقال بهدوء :
- الإست هي الملك !!
وارتفعت الضحكات وصرخات الإحتجاج
– الإست ؟!
– أجل الإست هو الملك !!
– انه أقذر عضو فينا يا رئيسنا ؟
– ومع ذلك هو الملك .
تجرأت دجاجة وهتفت :
– كيف يمكن أن نقبل بذلك .. نرفض ان نعترف بالإست ملكا.
– لنفرض انه الآن وقت الطعام .. عقلكم يستوعب ان أجسامكم تحتاج للطعام ولا يعترض . قلبكم لا دخل له .. ينبض بالحياة .. ورغم قيمته العليا في الجسم الدجاجي أو البشري ، الا انه ليس الملك . والمعدة تتلقى ما تلتهمون .. وتهضمه .. تأخذ ما يفيد أجسامكم .. وماذا بعد ؟!
– الإست تخرج الفضلات !!
– لنفرض أن الاست أضربت ولن تخرج الفضلات …
– لايمكن .. سننفجر ..
– اذن الاست لن تخرج الفضلات حتى تحصل على اعترافكم انها الملك …؟
– …
– لماذا سيطر الصمت عليكن يا ثرثارات ؟
– الإست ؟!.. هذا أمر غير معقول.
– هل باستطاعتكن الصوم لكل الحياة .. لا يمكن .. ستأكلون ، ولكن الإست أغلقت بابها بالمفتاح ولن تخرج حتى حبة رمل .. الا بعد ان تعترفوا انها الملك … ما العمل ؟
أجابوا بأصوات مهمومة ومتألمة :
– سنعترف صاغرين انها الملك ..
– اذن الإست هي الملك .. وانا است هذا الخم .. هل تفهمون معنى كلامي؟
– وانطلقت الدبكة باشارة من منفذ أعمال الرئيس:
– عاشت الإست .. عاش الملك !!
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة