قراءة متأنية في تقرير جولد ستون
مصطفى إنشاصي
منذ بداية تلك الضجة الإعلامية المصطنع التي أثارتها بعض الفضائيات والجهات حول تقرير القاضي اليهودي الصهيوني جولد ستون، حول الحرب الصهيونية الهمجية على غزة نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، وأنا ينتابني إحساس أن الموضوع أكبر مما يُطرح في الإعلام، ولذلك قررت عم الكتابة في ظل صخب الضجيج والاتهامات المتبادلة، لأنه لن يسمع ساعتها رأي أحد. وبعد أن سأمت من المتابعة التي غدت تكرار ممل قررت هذه الليلة الكتابة، وقررت أن أعود إلى ملخص التقرير نفسه الذي قدمه القاضي جولد ستون نفسه، تلك الثمانية وعشرون ورقة التي قُدمت للدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان العالمي، للتصويت عليها، لاطلع عليها بنفسي وأتبين إن كان ما قاله البعض وخاصة جولد ستون نفسه وما دافعت به عنه ابنته، من أن التقرير يخدم العدو الصهيوني أكثر من حماس، وأن فيه إدانة صريحة لحماس بأنها ارتكبت جرائم حرب ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية…إلخ أم لا؟ فقد قرأت في مقالة بعنوان “نهاية حكاية غولدستون- جريمة مستدامة، وعدالة متواطئة” بقلم/عبد اللطيف مهنا، المصدر نشرة كنعان الالكترونية بتاريخ 6/10/2009:
“… رغم أن نيكول ابنة غولدستون، دافعت بضراوة عن يهودية والدها في مقابلة إذاعية (إسرائيلية) جازمة بأن والدها المغضوب عليه وعلى تقريره هو صهيوني ويحب (إسرائيل) وأنه قد “خفف من قسوة التقرير، ولو كان غيره لخرج التقرير أكثر قسوة بكثير”! … أنا، أصدق نيكول، لأن والدها الذي تصفه بالصهيوني المحب لـ(إسرائيل)، تجاهل أن يدرج في تقريره صفة جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها (إسرائيل) مخففاً، والتي لا يخطئ حدوثها منصف… وأصدقها، لأنه حاول المساواة بين الضحية والجلاد ما استطاع”.
كما أن “منتديات انتفاضة فلسطين” بتاريخ 2009-10-06 ، نشرت تحت عنوان: “غولدستون: أحب (إسرائيل) وعملت لصالحها”:
قال القاضي ريتشارد غولدستون أن اليهود في جميع أرجاء العالم كان من المفروض أن يرحبوا بالتقرير الذي صدر عن الحرب (الإسرائيلية) على غزة. وأضاف في حديث للجيروزاليم بوست: لقد وصفوني بأنني يهودي كاره للذات ومعاد لـ(إسرائيل) والصهيونية. وأضاف: ‘ليس هناك أي صحة لتلك الاتهامات. فأنا أحب (إسرائيل) وعملت لصالحها في العديد من المجالات’. وبخصوص التقرير نفسه أكد غولدستون أن لجنة التحقيق كان هدفها معرفة الوسائل التي استخدمتها كل من (إسرائيل) وحماس وليس شرعية الحرب التي شنتها (إسرائيل). واتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإساءة فهم الأساس الذي استند إليه التحقيق. فلم تناقش اللجنة حق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها ولكن الكيفية التي نفذت بها الحرب.
كما أن منتدى صحيفة العروبة الالكتروني في قسم الأخبار السياسية بتاريخ 11/10/2009، نشر هذا الخبر: “غولدستون: تقرير غزة لا يصلح كدليل وكان مجرد خريطة طريق للتحقيق”: “فجر رئيس لجنة التحقيق في الجرائم المرتكبة خلال الحرب (الإسرائيلية) الأخيرة على غزة القاضي ريتشارد غولدستون، أمس، قنبلة إعلامية بقوله إن النتائج التي توصل إليها لم يتم التحقق منها بالكامل، وأن التقرير لا يعتبر دليلاُ مثبتاً، في ما لو نظرت فيه المحكمة الجنائية الدولية.
وقال غولدستون، في مقابلة مع مجلة “فورورد” (الإسرائيلية)، “لقد قمنا بكل ما نستطيعه بالمواد التي بحوزتنا. ولو كانت هناك محكمة عدل لما كان هناك شيء مثبت”. وأضاف “لم نستطع أن نستخدم التقرير أبداً كدليل، ولكنه كان خريطة طريق مفيدة لمحققينا ولي شخصياً كقاضٍ لاتخاذ قرار حول الأماكن التي يجب أن نحقق فيها. وهذا هو هدف هذا النوع من التقارير”، معرباً عن أمله في أن يستخدم الجانبان الفلسطيني و(الإسرائيلي) تقريره كـ”خريطة طريق” للتحقيقات التي سيجريانها”.
قراءة في التقرير
وعندما عُدت إلى التقرير تفاجأت أن ما قاله جولد ستون عن تقريره فعلاً صحيح، فالتقرير مجرد خارطة طريق لتحقيقات أخرى! فقد جاء في المادة:
١٦ – ولا يدعي هذا التقرير أنه جامع شامل من حيث توثيق العدد المرتفع للغاية من الحوادث ذات الصلة التي وقعت في الفترة المشمولة بولاية البعثة. ومع ذلك ترى البعثة أن التقرير يوضِّح الأنماط الرئيسية للانتهاكات. ففي غزة، حقَّقت البعثة في ٣٦ حادثاً من الأحداث.
كما أن التقرير لا يعتبر دليلاُ مثبتاً لإدانة العدو الصهيوني بارتكاب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، ولكنه حصر المسئولية الجنائية كمسئولية فردية:
٢٥ – وعلى هذا الأساس، حدَّدت البعثة، بقدر ما سمحت به أفضل قدراﺗﻬا، ما هي الوقائع التي ثبتت، وفي كثير من الحالات تبين لها أنه قد ارتُكبت أفعال تنطوي على مسؤولية جنائية فردية … وتُقدِّر البعثة تمام التقدير أهمية افتراض البراءة: فالاستنتاجات المقدَّمة في التقرير لا تقوِّض العمل ﺑﻬذا المبدأ. ولا تحاول الاستنتاجات تحديد هوية الأفراد المسئولين عن ارتكاب الجرائم كما أﻧﻬا لا تدعي أﻧﻬا ترقى إلى مستوى البرهان الواجب التطبيق في المحاكم الجنائية.
جرائم العدو انتهاك للقانون الدولي وحماس جرائم حرب
وعند مناقشته هجمات القوات (الإسرائيلية) على المباني الحكومية وأفراد السلطات في قطاع غزة، بما في ذلك الشرطة، جاء في المادة:
٣٤ – …. وتسلّم البعثة بأنه قد يوجد بعض الأفراد من شرطة غزة كانوا هم في الوقت ذاته أعضاء في جماعات مسلحة فلسطينية ومن ثم كانوا مقاتلين. بيد أﻧﻬا تخلص إلى أن الهجمات التي شُنت على مرافق الشرطة في اليوم الأول من العمليات المسلحة لم توازِن على نحو مقبول بين الميزة العسكرية المباشرة المتوقعة (أي قتل أفراد الشرطة هؤلاء الذين ربما كانوا أعضاء في جماعات مسلحة فلسطينية) وفقدان الأرواح المدنية (أي أفراد الشرطة الآخرون الذين قُتِلوا وأفراد الجمهور الذين كان لا بد أن يكونوا متواجدين في هذه المرافق أو بالقرب منه)، ولذلك فإﻧﻬا تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي.
اعتبرها أنها تشكل انتهاكاً للقانون الدولي وليس جريمة حرب ترتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية؟!.
كما أنه عند مناقشته لمدى التزام الجماعات المسلحة الفلسطينية في غزة باتخاذ احتياطات معقولة لحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية، جاء في المادة:
٣٥ – بحثت البعثة ما إذا كانت الجماعات المسلحة الفلسطينية قد انتهكت التزامها بممارسة الحرص واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين في غزة من الأخطار المتأصلة في العمليات العسكرية، ومدى حدوث ذلك (الفصل الثامن). وقد واجهت البعثة تردداً معيناً من جانب الأشخاص الذين أجرت معهم مقابلات في غزة لمناقشة أنشطة الجماعات المسلحة. وقد تبين للبعثة، على أساس المعلومات اﻟﻤﺠمعة، أن الجماعات المسلحة الفلسطينية كانت موجودة في مناطق حضرية أثناء العمليات العسكرية وأطلقت صواريخ من مناطق حضرية.
وربما حدث أن المقاتلين الفلسطينيين لم يميزوا أنفسهم تمييزاً كافياً في جميع الأوقات عن السكان المدنيين. بيد أن البعثة لم تعثر على أدلة توحي بأن الجماعات المسلحة الفلسطينية قد وجهت المدنيين إلى مناطق كانت تُشن فيها هجمات أو أﻧﻬا قد أجبرت المدنيين على البقاء بالقرب من أماكن الهجمات.
٣٦ – وعلى الرغم من أن الأحداث التي حققت فيها البعثة لم تثبت استخدام المساجد لأغراض عسكرية أو كدروع لحماية أنشطة عسكرية، فإﻧﻬا لا تستطيع استبعاد احتمال أن يكون ذلك قد حدث في حالات أخرى. (أي توجه شبه اتهام لحماس والفصائل). وفي الوقت نفسه يستبعد التقرير أن تكون الجماعات المسلحة الفلسطينية قد استخدمت مرافق المستشفيات كدروع لحماية أنشطة عسكرية أو أن سيارات الإسعاف لنقل مقاتلين أو لأغراض عسكرية أخرى. أو قد باشرت أنشطة قتالية من منشآت الأمم المتحدة التي استخدمت كملاجئ أثناء العمليات العسكرية. إلا أنه لا يستبعد احتمال أن تكون الجماعات المسلحة الفلسطينية قد عملت بالقرب من هذه المنشآت التابعة للأمم المتحدة وهذه المستشفيات. في هذه الحالات تكون قد عرضت سكان غزة المدنيين للخطر على نحو غير ضروري. (أي تحميل المقاومة الجزء الأكبر من المسئولية على قصف العدو الصهيوني للمدنيين).
وفي المقابل عندما ناقش التقرير التزام (إسرائيل) باتخاذ الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية في غزة، خفف من لهجة الاتهام للعدو الصهيوني على الرغم من بشاعة جرائمه، وقد ناقش ذلك في المادتين (37، 38)، خلص إلى: “أن القوات المسلحة (الإسرائيلية) قد انتهكت ما يتطلبه القانون الدولي العرفي من اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة في اختيار وسائل الهجوم وأسلوبه بقصد تجنب – وعلى أية حال التقليل إلى أدنى حد من – الخسائر العرضية في أرواح المدنيين، وإصابة المدنيين وإلحاق الضرر بالأعيان المدنية”. (استخدم التقرير كلمة “انتهكت” في الوقت الذي اعترف فيه أنه كان لدى العدو الصهيوني معلومات أن الموجودين في مراكز الأنروا التي قصفت وقتل فيها العشرات هم مدنيون فروا من مناطق القتال)؟!.
كما أن التقرير عند مناقشته الهجمات العشوائية التي شنتها القوات (الإسرائيلية) والتي أسفرت عن فقدان أرواح وإيقاع إصابات بالمدنيين، في المادتين (41،42) على الرغم من أنه شكك في مصداقية زعم العدو أنها كانت رداً على “هجوم بقذائف الهاون من مجموعة فلسطينية مسلحة”. ورأى “أن مصداقية الموقف (الإسرائيلي) تتردى بفعل سلسلة من أوجه عدم الاتساق والتناقضات وعدم الدقة الوقائعية في البيانات التي تبرر الهجوم”.. وأكد أنها كانت هجمات عشوائية، إلا أنه لم يعتبرها جرائم حرب ضد المدنيين، واكتفى بالقول: أنه “يشكل انتهاكًا للقانون الدولي، وأنه قد انتهك حق الحياة للمدنيين الفلسطينيين الذين ُقتِلوا في هذه الأحداث”؟!.
نفس الأمر حدث عند مناقشته للهجمات المتعمَّدة على السكان المدنيين، في المادة:
٤٦ – وتخلص البعثة، استنادًا إلى الوقائع المتحقَّق منها في جميع هذه الحالات المذكورة أعلاه، إلى أن سلوك القوات المسلحة (الإسرائيلية) يشكل خرقًا خطيرًا لاتفاقية جنيف الرابعة من حيث القتل العمد والتسبب عمدًا في إحداث معاناة كبيرة للأشخاص المحميين وعلى ذلك فإنه يُنشئ المسؤولية الجنائية الفردية. وهي تخلص أيضًا إلى أن الاستهداف المباشر والقتل التعسفي للمدنيين الفلسطينيين يشكل انتهاكًا للحق في الحياة. (على الرغم من إقراره بالقتل العمد إلا أنه اكتفى باعتباره خرقًا خطيرًا لاتفاقية جنيف الرابعة، وجعل المسئولية الجنائية فردية فقط)؟!.
وفي تعليق التقرير في المادة (47) على حادثة مقتل 22 فلسطينياً من أسرة واحدة نتيجة قصف أحد المنازل، وتشكيكه في الرواية الصهيونية “أنه حدث خطأ عملياتي” إلا أنه خلص إلى “أنه إذا كان قد حدث حقًا خطأ في هذا الصدد فلا يمكن القول بوجود حالة قتل عمد”. واكتفى بالقول: “أنه تبقى مع ذلك مسؤولية الدول الواقعة على (إسرائيل) لارتكاﺑﻬا فعلاً غير مشروع دوليًا”؟!.
وعن استخدم جيش العدو الصهيوني المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، اعتبر التقرير ذلك في المادة (55): “فإﻧﻬا محرّمة بموجب القانون الإنساني الدولي. واستخدام الأشخاص كدروع بشرية يشكل أيضاً جريمة حرب”. وختم المادة بالقول: “ويشكل ذلك انتهاكاً آخر للقانون الإنساني الدولي”.
كما اعتبر إستراتيجية العدو الصهيوني وتدمير الأهداف المدنية كعقاب وانتقام على إطلاق الصواريخ، وتدمير “١٠٠ منزل مقابل كل صاروخ يُطلق”، في المادة (64)، أنها “تتعارض مع القانون الإنساني الدولي.
في الوقت الذي عندما ناقش تأثير هجمات الجماعات المسلحة الفلسطينية على المدنيين جنوبي (إسرائيل) بالصواريخ وقذائف الهاون، واعتبرها “هجمات عشوائية”، تشدد في تكييفها القانوني واعتبرها “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، وفي الوقت الذي كان يفترض حسن النية في الهجمات العشوائية الصهيونية، وأنه لا ترقَ كأدلة، اعتبر هجمات المقاومة ترقى إلى أن تكون أدلة ضد مطلقيها:
١٠٨ – وخلصت البعثة إلى أن الصواريخ، وبدرجة أقل قذائف الهاون التي تطلقها الجماعات المسلحة الفلسطينية لا يمكن توجيهها لإصابة أهداف عسكرية محددة وقد ُأطلقت على مناطق يعيش فيها سكان مدنيون. وخلصت البعثة كذلك إلى أن هذه الهجمات تشكل هجمات عشوائية ضد السكان المدنيين في جنوبي (إسرائيل) وأنه في الحالات التي لا يوجد فيها هدف عسكري مقصود وتُطلق الصواريخ وقذائف الهاون على سكان مدنيين فإن الهجمات تشكل هجومًا متعمدًا على سكان مدنيين. ويمكن أن تشكل هذه الأفعال جرائم حرب وقد تكون بمثابة جرائم ضد الإنسانية. وبالنظر إلى ما يبدو من عدم قدرة الجماعات المسلحة الفلسطينية على توجيه الصواريخ وقذائف الهاون إلى أهداف محددة وبالنظر إلى أن الهجمات لم تتسبب إلا في حدوث أضرار ضئيلة جدًا بالأصول العسكرية (الإسرائيلية)، تخلص البعثة إلى أنه توجد أدلة يُعتدّ ﺑﻬا تشير إلى أن أحد الأغراض الرئيسية لهجمات الصواريخ وقذائف الهاون هو نشر الرعب لدى السكان المدنيين (الإسرائيليين)، مما يشكل انتهاكًا للقانون الدولي.
انظر؛ في الوقت الذي حاول التقرير أن يخفف من التكييف القانوني لجرائم العدو الصهيوني ضد المدنيين، والتماس الأعذار لجرائمه وهجماته العشوائية ضد المدنيين، وأعماله الانتقامية، واعتبارها فقط “انتهاكات، أو تتعارض مع القانون الدولي”، إلا أنه عند مناقشة رد فعل المقاومة في غزة على تلك الجرائم والهجمات العشوائية والقتل المتعمد للمدنيين الفلسطينيين، قال” “ويمكن أن تشكل هذه الأفعال جرائم حرب وقد تكون بمثابة جرائم ضد الإنسانية”؟!! ناهيك عن لهجة التقرير عما اعتبره انتهاك حقوق الإنسان التي تقوم بها السلطات في غزة ضد العارضين السياسيين لها، والتي أيضاً استخدم تكييف قانوني شديد ضدها، قد يُعرض مسئولي حماس للمساءلة القانونية الولية.
هدف التقرير القضاء على المقاومة
كما يعلم الجميع أن المقاومة طوال تاريخها تعتمد في حركتها وخاصة في المدن على العمق الجماهيري، الذي يشكل لها الغطاء والحماية، والقدرة على سرعة الاختفاء والابتعاد عن أنظار العدو، وللمقاومة طوال تاريخها في قطاع غزة طابعها الخاص، الذي أساسه اختفاء المقاومين وسط الكثافة السكانية، ولم يجرؤ يوماً أحد على إدانة تلك المقاومة، أو اعتبارها أعمال تخالف القانون الدولي، وأنها تتسبب في الضرر للمدنيين اليهود والفلسطينيين في آن واحد، كما فعل تقرير جولد ستون. أي أن إطلاق المقاومة الفلسطينية الصواريخ من وسط تجمعات السكان المدنيين على مناطق سكنية مدنية في الأراضي المحتلة عام 1948، سيكون جريمة حرب مزدوجة بحسب تقرير جولد ستون، لأنها ستكون تسببت في قتل أو جرح مدنيين يهود، أو تسبب لهم حالة من الرعب والخوف والفزع،وذلك اعتبره التقرير في حد ذاته جريمة حرب. كما أنه سيكون سبباً في ردة فعل جيش العدو الصهيوني بقصف المدنيين الفلسطينيين، والقيام بأعمال انتقامية ضدهم، أو عدم قدرته على إجراء التوازن بين الأهداف العسكرية والمدنية في قطاع غزة، ما يعني أن المقاومة ستتحمل الجريمتين في نظر واضعي القانون الدولي، وستصبح المقاومة ليست حقاً مشروعاً لنا، ولكنها ستعتبر أعمال غير شرعية، و(إرهاب) متعمد ضد المدنيين.
وهكذا يكون التقرير مع المؤامرة التي أطلقت شرارتها صحيفة هآرتس الصهيونية، وبعض التصريحات اليهودية الغربية، ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية، بزعم أن التأجيل جاء نتيجة ضغوط وإغراءات وتهديدات مورست على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس…إلخ، من اتهامات أثيرت مؤخراً على وسائل الإعلام التي هي أيضاً جزء من تلك المؤامرة، مستغلة الاختلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني، وحولت التنافس بين فتح وحماس على قيادة الشعب الفلسطيني إلى صراع عدائي محموم على الكراسي والمناصب، وجني المكاسب الحزبية، ومحاولة أحد الأطراف الفلسطينية تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الحزبية على حساب مصلحة القضية والشعب، وإفشال المصالحة التي يشعر بأنها تشكل خطراً كبيراً على مصالحه، بحجة تأجيل تقرير جولد ستون المنقذ للشعب الفلسطيني، وتحريك المخاوف الصهيونية من التقرير، ودفع العدو للعمل على تغيير بنود اتفاقية جنيف الرابعة، كما أعلن رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، بما يعفي العدو عند الرد على إطلاق الصواريخ من وسط التجمعات المدنية، ووقوع ضحايا مدنيين فلسطينيين من أي مسئولية جنائية، ما سيفتح الباب على مصراعيه لارتكاب العدو أبشع الجرائم وسط المدنيين بزعم أنه يرد على مطلقي الصواريخ وقذائف الهاون على تجمعاته المدنية دون الخوف من المحاسبة؟! وذلك بكل تأكيد سيكون له أثار خطيرة ولم تؤخذ في الحسبان عندما أثيرت كل تلك الضجة حوا تأجيل التصويت على التقرير، قبل الاطلاع عليه، وقراءته قراءة متأنية!.
ذلك خلاصة ما وقع في نفسي بعد قراءة التقرير حرف حرف وكلمة كلمة، وأن التصويت عليه كما هو ليس فقط يشكل خطورة على قيادات وعناصر حركة حماس وغيرها من قيادات وعناصر الفصائل الفلسطينية، ولكني أشعر أنه أخطر تقرير صدر في هذا الشأن، تم صياغته بعناية فائقة من القاضي جولد ستون ليكون في مجمله في صالح العدو الصهيوني. وأن أخطر نتائجه ستكون هو إدانته المقاومة في فلسطين، وتحميلها مسئولية الرد الصهيوني مهما كانت فداحته. إن التصويت على التقرير كما هو يعني تجريم أي عمل مقاومة في المستقبل وخاصة من قطاع غزة ضد العدو الصهيوني، وأن في الأمر شبهة مؤامرة أكبر مما توقعت أنا وغيري، وللأسف أنه انجر إليها بوعي أو بدون وعي كثير ممن شارك في هذا الكرنفال الجولد ستوني؟!!.
الأربعاء 14/10/2009