مسامير وأزاهير 106 … بالأمس كان 33 واليوم صار 25 فما مصير التقرير بعد ستة أشهر!؟.
في خبر عاجل وهام تناقلته وكالات الأنباء العالمية ، فقد أقر مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مشروع توصيات القاضي ريتشارد غولدستون حول المجازر الصهيونية الأخيرة التي اقترفت بحق غزة وأبنائها ، هذا كما بيـّن الخبر بأن عدد الدول التي صوتت لصالح اعتماد مشروع القرار قد كان 25 دولة بينما عارضته 6 دول وامتنعت 11 دولة عن التصويت.
نتيجة طيبة نحمد الله عليها ولكن ، هناك تساؤلات ملحة على ضوء نتيجة التصويت راحت تدور في خلدي :
1- ماذا لو تم إرجاء عرض التقرير على مجلس حقوق الإنسان لستة أشهر قادمة كما ارتأت سابقاً السلطة الفلسطينية ( وفق تبريرات كانت قد أعلنت عنها ) وقبل أن ترضخ أخيراً للموافقة على التصويت اليوم !؟، تصوروا معي ما ستكون نتيجة التصويت على تقرير غولدستون بعد ستة أشهر من الآن!!؟.
2- ما موقف الولايات المتحدة الأمريكية في عهد أوباما من التقرير وما نتيجة تصويت مندوبه وردة فعله!!.
3- ما موقف الدول المشاركة باللجنة الرباعية المعنية بالشأن الفلسطيني !؟.
لنتذكر ( في معرض إجابتنا عن تساؤلنا الأول ) ما جرى بالأمس القريب جداً كيف تم تعبئة 33 صوتاً مؤيداً لصالح مناقشة القرار والذي أجهض بقرار مباشر من قبل السلطة الفلسطينية بسحب تأييدها لمناقشة التقرير ، وكيف هبط ذاك الرقم إلى 25 اليوم وفي مدة لا تتجاوز بضعة أيام بعدما أثيرت الزوابع داخل فلسطين وخارجها ضد قرار السلطة بإرجاء التصويت والذي أجبرها على الرضوخ من أجل امتصاص حالة الغضب الذي أثاره قرار الإرجاء ذاك ، بعبارة أخرى فإن ذاك التأجيل كان قد أدى إلى خسارتنا لتأييد ثماني دول كانت قد أيدت التقرير بجولته الأولى فتنكرت لنا اليوم ورأتنا غير جديرين بالدعم والإسناد ، ولنا بعدها أن نتصور مصير هذا التقرير فيما لو تم إرجاؤه لستة أشهر بعد!!؟.
وإجابة على تساؤلي الثاني يتلخص بالمثل الشهير ( حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له ) ، وعاقلنا صار يفقه مواقف أمريكا الثابتة المساندة المؤازرة للكيان الصهيوني ومن يقول بإمكان التغيير فذاك والله ليس بعاقل البتة، وهذا ما نقل إلينا الخبر من رفض السفير الأمريكي لذاك التقرير واصفاً إصدار قرار من مجلس حقوق الإنسان ( بالتعجل !!) بحجة منح الدول الفترة الكافية لدراسة التقرير، كما جدد السفير قلق بلاده تجاه بعض النقاط في تقرير جولدستون معتبرا أنه فشل في تحديد طبيعة النزاع واصفاً إياه بأنه كان منحازا ضد إسرائيل!!، هذا كما أوضح سفير فلسطين في جنيف السيد ابراهيم خريشة بأن هناك ضغوطا أمريكية وإسرائيلية ( على حد سواء !!) قد مورست على بعض الدول لرفض التقرير أو على الأقل الامتناع عن التصويت.
وأما بخصوص الرباعية ، فلا أشك لحظة واحدة في أن يكون موقفها مشابهاً ولا يختلف كثيراً عن موقف أمريكا (راعية السلام وإحقاق الحق الفلسطيني في دولة مستقلة ) التي ترائي وتداهن حكومة يهود بحكم ضعف مواقفنا ولهفتنا على تسوية كاذبة دعوا إليها !!.
ولنتوقف قليلاً لندرك حجم العبر التي نتلمسها ونراها ، وما قلة المعتبرين مما جرى بالأمس واليوم ، فما جرى اليوم حقيقة إنما يشير إلى جملة الحقائق التالية :
1. أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.
2. وأن نيل المطالب لا تتم بالتمني والرجاء والتوسل بل تؤخذ الدنيا غلابا.
3. صواب ما استنكره شرفاء أمتنا لمخاطر و ( خطيئة ) قرار السلطة الفلسطينية بإرجاء التصويت أول مرة ، فما دام الحديد ساخناً فحبذا لو زدته طرقاً ثم لياً كي تحصل على شكل وهيئة ما تريد من ذاك الحديد الصلب والعنيد.
4. صواب ما رأيناه وما زلنا نراه في مواقف الدول الغربية عموماً وأمريكا تحديداً إن كان بوش على سدة الرئاسة أو كان أوباما صاحب شعار التغيير وإحقاق الحق في واجهة التعامل المباشر وتحت الأضواء!!.
وتكملة لجواب التساؤل الأول أقول … بأننا جميعاً نتذكر الأعذار الواهية ومسلسل الكذب الذي سمعناه ورأيناه وتناقض التصريحات التي وقع فيها بعض رموز السلطة في تبرير قرار إرجاء تبني التقرير رغم أهمية وخطورة ما جاء به من حقائق موضوعية تنصر الحق الفلسطيني المغيب طيلة ستة من العقود العجاف، وما قد قيل من باب التبرير بأن سبب الإرجاء يكمن في رغبة السلطة بتكثيف الجهود كي نضمن لتقرير غولدستون أغلبية في التصويت ، وما هي إلا أيام معدودة بين إرجاء قرار المناقشة والعودة مجدداً لمجلس حقوق الإنسان لمناقشته فإذا برقم التأييد يهبط من الرقم 33 ليصل 25، فماذا ستكون النتيجة بربكم بعد مرور شهر من الآن !؟.
وتكملة لجواب التساؤل الثاني أقول … بأننا جميعاً نتذكر الزيارات المكوكية التي قام بها السيد جورج ميتشيل إلى أراضينا الفلسطينية المحتلة من أجل حلحلة الوضع وإقناع حكومة يهود على إيقاف المستوطنات وقتياً والتي فشلت جميعها بسبب ما جابهت من رد عنيف وإصرار ثابت من العدو ، فأي مؤشر أكبر من هذا بعد ننتظر لنعرف مدى ارتباط أمريكا بالعدو من فشل ضغطهم على العدو أولاً ولما أقدمت عليه أمريكا بمحاولة إجهاض مناقشة التقرير وتصويتها بالرفض كالعادة !!.
وخلاصة ما أقول …
والله الذي لا إله إلا هو ما كان لتقرير غولدستون أن يناقش ويصوت عليه لولا إصرار وتصميم وضغط أبناء شعب فلسطين بكامل فئاته وألوانه السياسية ومنظمات مجتمعه المدني داخل وخارج فلسطين!!.
فيا شعب فلسطين …
ما حك جلدك مثل ظفرك ، وعليك بجميع أمرك.
وما أجدر بك أن تعتبر مما جرى اليوم فتمسك بزمام أمرك لتعالج شأنك وتدير مصيرك بنفس الهمة والإصرار والطريقة ذاتها التي مارستها ضغطاً واستنكاراً وشجباً والتي كان من نتائجها عودة تقرير غولدستون إلى التصويت ثانية …وإلا لكان النسيان والإهمال مصيره!!.
ويا شعب فلسطين …
كفاكم انتظاراً لوعود شعارها ( حتى يشيب الغراب ) ، فالغربان لا تشيب أبداً، واجلسوا حيث يؤخذ بأيديكم وتَُـبَرّوا ( كما فعلتم اليوم ) ولا تجلسوا حيث يؤخذ بأرجلكم فتجروا ( كما جرت العادة معكم )!!.
قد رأيتم بأم أعينكم موقف أمريكا حيال التصويت على تقرير غولدستون ، فاحزموا أمركم في أن تحذروا وعود من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره!!.
وتذكر أيها الشعب النبيل بأن الدنيا مسألة حسابية تتلخص في أن تأخذ من الأمس عبرة .. ومن اليوم خبرة .. وامسك بتلابيب أمرك كله دون أن تلتفت إلى تعب أو شقاء .. وتوكل على رب الأرض والسماء … لتنال ما تريد وإن كان بعناء!!.
وتذكر بـأن الطريق طويل ، وما نتيجة التصويت هذه إلا خطوة أولى في رحلة الألف ميل التي طالما دعونا إليها فاشحذ الهمة ورص الصف وانظر للأمام ولا تدع المجال لمن يفرط بحقك أن يعبث بمصيرك كائناً من كان!!.
والله أكبر ولتعش فلسطين حرة عربية كريمة.
سماك برهان الدين العبوشي
16 / 10 / 2009