الانتخابات العراقية نهاية أزمة أم بدايتها؟
بقلم: زياد ابوشاويش
منذ الاحتلال الأمريكي للعراق قبل سبع سنوات والشعب العراقي يتطلع للخلاص من آثار وتداعيات هذا الاحتلال وما جره على العراق من ويلات في مقدمها تعيين وكلاء لهذا الاحتلال يحكمون العراق باسم الحرية والديمقراطية القادمة على ظهور الدبابات الأمريكية ومع صواريخ طائراته القاذفة.
إن أهم وأخطر أزمة كانت ولا تزال تواجه العراقيين هي وجود الاحتلال الأمريكي وأعوانه، هذا الاحتلال الذي لا يترك مجالاً لأي مصالحة أو ترميم للعلاقات الداخلية تعيد للعراق بعض عافيته التي دمرها العدوان الغاشم عليه في آذار من عام 2003 والذي تواصل المقاومة العراقية بذل الجهد والدم في سبيل التخلص منه ومن آثاره المدمرة.
ومع تأكيد الشواهد كلها على كذب الادعاءات الأمريكية البريطانية بوجود أسلحة دمار شامل في العراق كان على الجميع الوقوف بحزم أمام ذلك والطلب الصريح من أمريكا سحب قواتها من العراق، لكن إدارة بوش وجدت كما أسلفنا وكلاء عراقيين يموهون على الأسباب الحقيقية لاحتلال العراق تلك الأسباب التي ترتبط مباشرة بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني بإضعاف العراق وتدمير قدراته على كل الأصعدة وعلى الأخص العسكرية والتقنية، كما نهب ثرواته والتحكم بنفطه.
اليوم ينتظر العراقيون ومعهم كل الأمة العربية التخلص من كل ما ترتب على هذا الاحتلال وعودة الأمور إلى نصابها في ظل سعي سلطات الاحتلال الأمريكي لترسيخ حالة الانقسام بين مكونات العراق عبر تسهيل المحاصصة الطائفية والعرقية بواسطة التحريض المباشر تارة وإجراء انتخابات جهوية تتحكم بها وتوجهها من جهة أخرى. العراقيون وفي ظل أمر واقع مرير وتنصل الأشقاء من تبعات الجريمة الكبرى المرتكبة غربياً بحق بلدهم قبلوا الانخراط في العملية السياسية إلا من قوى المقاومة التي لا تعترف بإمكانية إجراء انتخابات نزيهة وعادلة في ظل الاحتلال، وقد جرت حتى اليوم عمليتان انتخابيتان أسفرت الأولى عن وصول القوى الطائفية المرتهنة للاحتلال وللخارج إلى الحكم، والثانية التي ظهرت نتائجها وتفوق فيها السيد إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق بأكثرية برلمانية ككتلة، لكنه لا يستطيع تشكيل حكومته منفرداً ويحتاج لعدد كبير من المقاعد للحصول على الأغلبية التي تؤهله لتشكيل حكومة تستطيع إدارة شؤون البلد وتعمل على إنهاء الاحتلال في التوقيت الذي حددته المعاهدة الأمنية بين العراق وأمريكا.
راهن العديد من الساسة العراقيين في الحكومة والمعارضة وكذلك فيمن يحابي الاحتلال ويرى فيه منقذاً للعراق أو ممن ناهضوا هذا الاحتلال ورفضوا كل ذرائعه الملفقة، راهنوا جميعاً على نتائج هذه الانتخابات وفي ظنهم أنها ربما تنهي الحالة الشاذة التي يعيشها الشعب العراقي ليس فقط على صعيد أزماته المتنوعة وقسوة الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يحياها وخاصة اللاجئين في بلدهم والخارج، بل وكذلك على نتائج تسهم في وضع حد للتناحر الطائفي والفساد، وترميم الحياة الاجتماعية للعراقيين، ووضع أسس لبناء مجتمع عراقي خالي من ألغام الطائفية المقيتة وتوفير سبل العيش الكريم له، وبالخصوص طرد الاحتلال ومسح آثاره الضارة. قبل ظهور النتائج النهائية سمعنا تصريحات تهدد بعودة العنف والقتل وبشلال دم إن لم تأت النتائج على هوى ولصالح هؤلاء المتحدثين وفي مقدمتهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي المعروف بميوله المذهبية وعدائه للعروبة، وسبق أن تهجم على سورية واتهمها بمساعدة الإرهابيين وهدد بمعاقبتها، وقد لاحظنا من النتائج أن موقف المالكي من سورية قد انقلب عليه في نتائج الانتخابات حيث لم تفز كتلته بالأغلبية كما كان متوقعاً وخسر الرجل فرصته في إعادة تشكيل الحكومة العراقية.
إن التعويل على حل مشاكل العراق وأزماته عبر الانتخابات البرلمانية وترسيخ قيم الديمقراطية والفرص المتكافئة قد تضرر بشدة جراء تصريحات المالكي مما دفع ببعض حلفائه للقول أن الانتخابات كانت نزيهة وأن على الجميع تقبل نتائجها والكف عن العويل أو التهديد.
نذر الأزمة تبدو في الأفق بلون أحمر إن استمر موقف كتلة المالكي على حاله من النتائج والتشكيك بها والمطالبة غير المحقة بفرز كل الأوراق يدوياً مرة أخرى مما يعني عملية انتخابية جديدة الأمر الذي رفضته المفوضية العليا للانتخابات التي شكلتها وشرعنتها كتلة المالكي على وجه الخصوص. لقد سمعنا تصريحات مقتدى الصدر وعبد العزيز الحكيم حول أهمية القبول بنتائج الانتخابات التي تعتمدها المفوضية العليا للانتخابات لأنه الطريق الوحيد لتجاوز التشققات المحتملة ليس داخل الكيانات السياسية بل وداخل المجتمع العراقي وبدء دورة جديدة من العنف الطائفي لا تبقي ولا تذر.
لقد قصد بإجراء هذه الانتخابات حسب مزاعم الإدارة الأمريكية حل أزمة الحكم في العراق وترسيخ قيم العدالة واحترام الدستور واستكمال انسحاب القوات الأمريكية المحتلة من العراق عبر تسليم ائتلاف يمثل أغلبية برلمانية سياسية مريحة تمثل كل الاتجاهات الفكرية والسياسية في البلد، وفي ذات الوقت غير معادية للولايات المتحدة الأمريكية وتلتزم بتطبيق كل الاتفاقيات معها، لكن في ظل النتائج المعلنة ورفضها من قبل فريق مهم من العراقيين يمثلهم نوري المالكي وميليشياته السوداء يمكننا القول أن هذه الانتخابات هي مقدمة أزمة خانقة للعراق وليست حلاً لأزماته المزمنة، إلا إذا تضافرت جهود الدول العربية المؤثرة وبمساعدة إيران كذلك لوقف التدهور ومنع حصول مواجهات دموية بين بعض الأطراف الأمر الذي تتسرب أنباء عن حدوثه عبر التفاهم السوري الإيراني في شأن الحفاظ على أمن العراق ووحدة أراضيه رغم التباين في الموقفين الإيراني والسوري حول المعضلة العراقية وطرق مقاربتها.
الوضع العراقي غاية في الحساسية والخطورة والقمة العربية معنية بتقديم المساعدة اللازمة لتجنيبه عقابيل نتائج الانتخابات وكذلك لوضعه على طريق استعادة عافيته وهذا يتطلب موقفاً عربياً موحداً يدعو لانسحاب فوري للاحتلال الأمريكي من العراق ومحاصرة القوى الطائفية الرافضة لمبدأ تداول السلطة.