ينظر خبير سياسي دولي الى مواقف المملكة العربية السعودية حيال العراق، طوال السنوات السبع الماضي على أنها "سلبية". ويتهم حكومة الرياض بممارسة "التمتمة" و"التوجّس" و"التحذير" بدلاً من "التدخل" الذي كان سمة دائمة في الاقتراب الإيراني من القضايا العراقية. لكنّ الخبير يثير سؤالاً مهماً: هل تريد السعودية حقاً "عراقاً موحّداً"، أم أن كل ما تتحدث عنه مجرّد شعارات؟!. أولاً يرى الخبير السياسي –وهو متابع يومي لتطورات الأحداث في العراق- أن جميع المباحثات العربية بشأن "عراق موحّد" مجرّد خطاب فارغ. وفوق ذلك، يميل الخبير الى أن هناك "ترتيباً تخادمياً" بين إيران والسعودية لإبقاء الحكومة العراقية المقبلة في بغداد ضعيفة ومنقسمة داخلياً. وبدا للخبير أن العلة في "تكوين الفلسفة السعودية" حيال العراق، هي أن الرياض مازالت –كموقف منطلق من حيثيات الفئة المسيطرة في السعودية- تعوّل على أحلام تافهة لعراق يمكن "حجب الشيعة" فيه تقريباً، وهو "الحلم التافه" نفسه بالنسبة لإيران التي تريد عراقاً خالياً من السُنّة تقريباً.
وحتى في الموقف المباشر من طبيعة تكون
التحالف الذي سيحكم العراق خلال السنوات المقبلة، فإن "الرؤية الإقصائية" لدى الرياض، تشبه تماماً رؤية طهران "الإقصائية". كلاهما لا يُظهر مانعاً من قيام تحالف يسيطر على البرلمان وعلى الحكومة من "التحالفات الرئيسة" الأربعة (العراقية، دولة القانون، التحالف الوطني العراقي، والتحالف الكردي)، لكنّ السعودية تشترط إقصاء الصدريين (وهي رغبة تلتقي مع الرغبة الأميركية)، وإبعاد نوري المالكي (وهي نقطة ارتكاز بالنسبة للسعودية). بالمقابل فإن إيران تشترط ألا يكون أياد علاوي رئيساً للوزراء. وبمعنى أن الطرفين يلتقيان عن مقترب إقصاء "الصدر وعلاوي والمالكي"، وتركـّز في بناء التحالف الحكومي المقبل على الأكراد-المجلس الأعلى، وهي عملية "قلب" برأي فيشر لحقائق النتائج الانتخابية التي جرت في آذار، الأمر الذي يهدد جوهر العملية الديمقراطية في العراق، لكنّ إيران لا تجد غضاضة في ذلك، مثلما لا تجد السعودية أنها ستخسر شيئاً بخسارة العراق لجوهر ديمقراطيته
.
وبهذا يبدو أن بعض
العراقيين السُنّة "العلمانيون منهم وغير العلمانيين" يتعاملون مع "وهم" أن السعودية تناصر الإرادة الوطنية العلمانية في العراق، منعاً للمد الطائفي الذي يمكن ان يفكك جغرافية البلد، وبذلك فإن السعودية في تفسيرهم حريصة على الوحدة العراقية. والوهم نفسه يقع في أحبولته بعض الشيعة الذين يعتقدون أن إيران ظهير لهم كأكثرية سكانية عراقية، غير مدركين أنها تريد من يعملون معها، منفذين الخطط التي تخدم إرادتها "القومية الإيرانية"، وتحت هذا المسمى لا وجود أيضاً لشعارات تتحدث بها طهران عن "وحدة العراق" تماماً كما تتحدث عنها الولايات المتحدة التي غزت العراق، وفجّرت فيه التنافر الطائفي والإثني، وخلقت له "أزمات" يمكن أن تستمر عقوداً، إذا ما بقيت الحال على هذا النمط "العاجز" في طبيعة السياسات العراقية
.
وتطرح قائمة الضيوف العراقيين عند القصر في
الرياض خلال الأسابيع الماضية العديد من الأسئلة حول السياسة السعودية حيال جارها الشرقي . ولعدة سنوات الان، فان سياسة الرياض العراقية كانت اكثر سلبية قليلا ، مقارنة عن تلك السياسة التي تبنتها إيران. وتميزت في عمومها، بـ"التمتمة" اكثر من التدخل، ومع بعض المحاولات القليلة نسبيا للامتداد اكثر اتساعا الى وراء القادة السنة، برأي البروفيسور رايدر فيشر، المحلل السياسي النرويجي المتخصص في الشؤون العراقية
.
ولوقت طويل –يقول المحلل في تقرير نشره موقعه على الإنترنت- فقد بدا كما لو ان قادة السعودية مازالوا يعوّلون على أحلام تافهة لعراق يمكن حجب الشيعة فيه تقريبا، كما بالإشارة الى مثال عبر التقارير بان الرياض لعبت دورا بإفساد التحالف المؤقت ولكن الحساس بين أبي ريشة (قائد الصحوات في الأنبار) ونوري المالكي في الصيف الماضي. ولكن مع الزيارة الأخيرة الى الرياض من قبل رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم والقادة الأكراد جلال طالباني ومسعود برزاني، فمن الواضح ان المشكلة يجب ان لا تتعامل مع الموانع العرقية–الطائفية التي لا تقهر، ولكن بدلا من ذلك اختيار السعودية لضيوفها. وبينهم، الحكيم وطالباني وبرزاني يجب ان يأخذوا حصة الأسد من المسؤولية عن التدمير الواقعي للدولة العراقية من خلال تصميم الدستور العراقي العالي النسبة من عدم المركزية في سنة 2005، وكذلك الإجراءات اللاحقة بين سنتي 2005 و 2007 لتقوية النظام الجديد ( ومن ضمنها قانون حول تطبيق الفدرالية في جنوب كردستان ). ومن باب المقابلة ، فان القائد الشيعي نوري المالكي الذي قام بالمحاولات الكبرى لقلب بعض النتائج المؤسفة لدستور 2005 ، ولاسيما منذ سنة 2008 ، إلا انه لم يُدع الى الرياض.
وقد كثرت الإشاعات حول الاستراتيجية الكبرى المحتملة وراء هذه التحركات من جهة السعودية.
ويتساءل الخبير الدولي قائلاً: هل هي دفعة للإتيان بالأكراد والائتلاف الوطني العراقي والعراقية ودولة القانون ( ولكن بدون المالكي ) معا في ائتلاف كبير من أربعة اطراف بالنموذج المفضل من إيران. وفي كلمات أخرى، ترتيب بين قوتين إقليميتين كبيرتين لابقاء الحكومة المقبلة في بغداد ضعيفة ومنقسمة داخليا؟ وبعد كل شيء ، فان معظم بقية الداعمين العرب القليلين لعراق موحد في الخليج هم الان ممثلون بشكل كبير في الإقليم الكردي في شكل استثمارات اقتصادية، وقبل عدة اشهر ، فان شركة في رأس الخيمة والتي يمتلكها ايضا مالكون سعوديون اشترت حصصا في شركة دي ان أو وهي شركة النفط النرويجية والمثيرة للنقاشات بسبب دور بيتر غالبريث في عقد صفقتها مع السلطات الكردية. ويمكن للمرء الان الحصول على انطباع بان جميع المباحثات حول عراق موحد من قبل العديد من الدول العربية هي مجرد خطاب فارغ .
ويضيف البروفيسور فيشر: يعرض آخرون بان التطورات في الرياض الى مستوى معين قد تعكس الائتلاف الذي تفضله الولايات المتحدة . وهناك الى الان تلميح بان ما تدعمه واشنطن هي فكرة الحكومة الضعيفة والكبيرة الحجم حتى مع الاختلاف حول ما تتباحث حوله الأحزاب العراقية ، وقد عرض بان الولايات المتحدة سوف تفضل حجب الصدريين. وذلك سيبدو مقلقا بشكل خاص لتجسيد فكرة "حكومة الوحدة الوطنية": إذا كانت الحكومة العراقية المقبلة ستكون كبيرة الحجم وضعيفة بأي شكل ( بعبارة أخرى ، مقابل المتماسكة أيديولوجيا وبالتالي ائتلاف الفائزين بالأقل القوي من العراقية ودولة القانون )،فإنها تجعل الإدراك قليلا لحجب العنصر الأكثر عنفا من الخليط ( الصدريين ) بينما الاحتفاظ بطرف هو الان حزب صغير جدا مع علاقات قائمة طويلة الأمد مع إيران ومع تاريخ بالتحالف مع الأكراد ضد بغداد ( المجلس الأعلى الإسلامي في العراق. والنتيجة النهائية قد تكون تماما التخريب النهائي لارادة الناخب العراقي مع تهميش المالكي وعلاوي والصدريين –وهم كل الذين حصلوا على أعلى الأصوات من انتخابات السابع من آذار – وحكومة مشكلة من قبل المرشحين المتوافقين من بقايا دولة القانون والعراقية مع الأكراد والمجلس الأعلى بدور مهيمن .وكل ذلك يبدو مثل الارتجاع الفني للاستراتيجية الأميركية المفضلة بالعودة الى سنة 2007 بالسعي الى تهميش الصدريين وبدلا من ذلك الاحتفاظ بالحلم غير القابل للتصديق حول المجلس الأعلى الإسلامي-بدر الموالي لإيران والضعيف باعتبارهم "المعتدلين" الكبار في السياسات الشيعية العراقية.
والاختبار بشأن أي نوع من الخليط قد يعنيه لمفاوضات الحكومة المقبلة تم عرضه بصورة واسعة من قبل السياسي الكردي المعروف محمود عثمان ، قبل نهاية الأسبوع. وفي لقاء معه في 14 نيسان فقد أوضح بان الأكراد سيدخلون مفاوضات الحكومة مع طلب إبقاء جلال طالباني رئيسا مستمرا. وليس ذلك فقط : يجب توسيع صلاحيات الرئيس وراء الصفة الفخرية المحضة ! وهذا من الأكراد المتمسكين الكبار بالدستور … وهو يأتي بالطبع بالإضافة الى مطالب بالحصول على حق التوقيع على العقود النفطية ، وكركوك ، والأراضي المتنازع عليها بشكل عام ، و امتيازات ميليشيا البيشمركة . والان برفض تسمية المرشحين للمقاعد التعويضية طبقا للأجل الأخير في 15 نيسان المحدد من قبل المفوضية العراقية للانتخابات ، فان الأحزاب الأخرى تبدو بأنها تستعمل ذلك الموضوع كفعالية في عرض للتأثير على اجراءات الاستئناف ، وربما بشكل خاص ائتلاف دولة القانون ( وجاءت الأخبار حول اعادة العد اليدوي في بغداد ).
الوحدة هو إحساس فني ، وقد يكون لازال الهدف السعودي بالنسبة للعراق ، ولكن بلدا موحدا وقويا كما يظهر ليس على القائمة المرغوبة .