– الإنفصال، قلب نظام الحكم، الولاء المزدوج.. كلمات صمت عليها شيعة الخليج طويلا قبل ان تخرج الى العلن نتيجة الصدام السياسي والأمني مع الحكومات السنية.
وبدأ صوت الشيعة في الخليج يعلو تدريجيا منذ ربيع 2003، حين سقط نظام الرئيس الراحل صدام حسين وتزعمت العراق لأول مرة في تاريخه حكومة شيعية وبرزت على الجانب الشرقي من الخليج أكبر دولة شيعية في العالم.
وتحذر الدول العربية من التمدد الايراني في المنطقة ضمن مشروع تصدير للثورة اطلقه زعيمها اية الله الخميني قبل ثلاثة عقود ولم تتراجع عنه طهران رسميا.
ويشكو شيعة الخليج عموما مما يسمونه "ظلما وقمعا" على ايدي الحكومات السنية لا سيما في السعودية والكويت والبحرين. ولكن الكثير من نشطائهم يتصرفون وكأنهم حصان طروادة في مجتمعاتهم، ويساعدون على هدمها من الداخل لحساب مشروع إمبرطوري فارسي، يتخذ من الدين ستارا له، وذلك على غرار المشروع الصهيوني.
وبمقدار ما يشكل العراق تحذيرا مسبقا، فان المليشيات الطائفية المهيمنة في هذا البلد انتهت الى تمزيقه وتحويله الى بؤرة فساد وجرائم قتل "على الهوية" ادت الى سقوط مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء.
وتطبيق هذا النموذج في اي بلد آخر في المنطقة، يثير المخاوف من حرب طائفية يتحول فيها الشيعة "المظلومين" الى عصابات تمارس أعمال الانتقام ضد الأبرياء باسم "حب آل البيت".
ولم يكن متوقعا قط قبل سنوات قليلة ان يتحدث رجال الدين الشيعة في السعودية، الدولة التي تنتهج المذهب السني السلفي الوهابي، عن الانفصال.
وكان الشيخ نمر باقر النمر، وهو رجل دين شيعي بارز في السعودية التي يتبع 10 بالمائة من سكانها المذهب الشيعي قال في وقت سابق من العام المضي قبل ان يختفي عن الانظار "إذا حال الوضع بيننا وبين كرامتنا، سندعو الى الانفصال عن هذا البلد. سندعو الى الانفصال، وليكن ما يكون. كرامتنا أغلى من وحدة هذه الأرض".
وهاجم النمر في خطبة الجمعة بمدينة العوامية في محافظة القطيف شرق السعودية، السلطات في بلاده متهما اياها بممارسة "سياسات التمييز الطائفي المنظم والممنهج والذي تمارسه السلطة السعودية منذ احتلالها لمنطقة الاحساء والقطيف قبل نحو قرن من الزمان".
وفي البحرين، يقول بعض نشطاء الشيعة انهم يعانون من حملات سياسية وأمنية تستهدفهم ويتهمون الحكومة بالتلاعب بالتركيبة السكانية التي يقولون ان الشيعة كانت الأغلبية فيها قبل ان تبدأ السلطات بتجنيس السنة من الخارج لتحويل الوجه المذهبي للبلاد.
أما في الكويت، فقد أخذت التوترات الطائفية طابعا تصعيديا وصل الى حد الحديث عن "الولاء المزدوج" منذ أبّنت مجموعة من الشيعة بينها برلمانيان سابقان عماد مغنية، القائد العسكري في حزب الله الشيعي اللبناني الذي قضى بتفجير في دمشق العام الماضي.
واتهمت الكويت حيث يمثل الشيعة واحدا بين كل ثلاثة مواطنين، مغنية بالضلوع في خطف طائرة تابعة للخطوط الجوية الكويتية في عام 1988 وقتل اثنين من الركاب.
وبعد أن ظهرت معطيات سياسية جديدة خلال السنوات الست الماضية على الساحة الاقليمية وكانت الظروف الموضوعية مهيأة لشيعة الخليج ليتحدثوا بالفم المليان عن "الظلم"، فربما لا يمكن ان ينأوا بأنفسهم عن اتهام السلطات لهم بالولاء لايران.
وتتقاطع المصالح السياسية في لجم النفوذ الايراني بالخليج بين العواصم الست وواشنطن، فدول الخليج لا تريد ان تصطلي فعليا بنار الاضطرابات الطائفية الدموية بعد ان تمتلك طهران قوة الردع النووي وتلوح به في يدها سلاحا سياسيا، يجعل الاقليات الشيعية الخليجية "تحمل المظلة عندما تمطر في ايران".
وواشنطن لا ترغب بمزيد من النفوذ لايران، بعد أن أهدتها حكومة عراقية موالية للجمهورية الاسلامية، في اكبر بقعة نفطية في العالم.
الحكومات الخليجية تعارض بشدة الطموحات الايرانية في المنطقة، لا سيما مع مواصلة طهران برنامجها النووي المثير للجدل.. وايران بدورها تطلق تصريحات تدعم هذه المخاوف.. وشيعة الخليج في قفص التشكيك بالوطنية من جانب حكوماتهم.
وطبقا لتقارير اعلامية فقد قال علي أكبر ناطق نوري وهو مستشار للزعيم الاعلى الايراني آية الله علي خامنئي في شباط/فبراير ان لايران السيادة على مملكة البحرين وان الدولة الخليجية هي "المحافظة الايرانية الرابعة عشر".
وتحتل ايران جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى الاماراتية وترفض باستمرار مطالبة الامارات بحقها في هذه الجزر كما ترفض احالة هذا الخلاف الى محكمة العدل الدولية في لاهاي.
وكانت ايران سيطرت على الجزر الثلاث التي تقع قرب مضيق هرمز، اثر رحيل القوات البريطانية من الخليج في 1971.
إذاً، البيئة خصبة لوضع الاقليات الشيعية في الخليج في دائرة الولاء لايران، ولكنها خصبة ايضا من جانب آخر لمعالجة المظالم التي يطالبون برفعها عنهم.
خطبة الشيخ النمر اعطت دفعا جديدا لشيعة الخليج، خصوصا وانه يتحدث من بلد محافظ يرفض رفضا قاطعا "صراع المذاهب" ولا يسمح بالتعدي على المذهب السني، على ما قال وزير الداخلية السعودي السبت لإحدى الصحف المحلية.
وقال وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبد العزيز في تصريحات لصحيفة "عكاظ" نشرتها السبت وكالة الانباء السعودية "نحن نرفض رفضا باتا وقاطعا صراع المذاهب في بلادنا ونعتبر أن للمواطن حقوقا وعليه واجبات تتماثل في كل شيء وأن لا يتم التعرض بأي حال من الأحوال لنهج الأمة (في السعودية) وهو النهج السني السلفي".
واعرب النمر عن استعداده لدخول السجن وتحمل قسوة التعذيب وحتى القتل، قائلا انه يرفض المساس بكرامة المواطنين الشيعة، وقال انه يقف "على خط مواجهة الظلم والطغيان التي بدونها لا تُنال الحقوق، ولا تؤسس العدالة، ولا يعيش المواطنون أحرارا".
وكرر النمر بأن الشيعة لن يسكتوا على ما يجري لهم من إهانات واعتداءات وهدر كرامة، وقال "لن نسكت.. ماذا ستصنعون؟ افعلوا ما شئتم. لن نسكت. كرامتنا أغلى من حياتنا".
والسؤال: هل تقف قضايا الشيعة في الخليج عند حدود المطالب التي تسعى الى تحقيقها كافة الاقليات الدينية في دول العالم، أم ان المسألة ترتبط بما هو أوسع وأخطر على الكيانات السياسية الوطنية بحد ذاتها؟
المتوسط اونلاين