بعد أربعين متفرقات ما بين السياسة والتاريخ والاجتماع، تقابلك "خصوصيات" الجزء الرابع من الشوقيات. هذه "الخصوصيات" تضم ستة وسبعين قصيدة، خصّ منها "أحمد شوقي" الحيوان والطير، وغيرهما، بثلاثة وخمسين "حكاية شعرية". حكايات ـ تستوحي نمط قصص كليلة ودمنة، وقصص "لافونتين"ـنظمها "شوقي" بأسلوب تستشف منه جوانب "الحكمة، والخبرة، والتوظيف الرمزيللتأديب والتهذيب". كما يكتسي ـ أحياناًـبمسحة "طريفة، سّاخرة، ضاحكة".
لقد حظي "الثعلب" (بنصيب الأسد)، فكان أكثر الحيوان ذكراً في قصصه (9 قصائد). ذلك أن أمير الشعراء"شوقي" (1868-1932م) يراه (وأمثاله ممن ينتهجون نهجه من البشر) رمزاً للخبث والمكر والخديعة. تلي الثعلب "الحمار" (6 قصائد)، ثم "الأسد، والكلب، والشاة" (5 حكايات لكل). ومن الطير كان للديك/ الدجاج، في "حكايات "شوقي" (3 عناوين)، أما "الغراب، والحمام، والعصافير" (قصيدتان لكل)، بينما ذُكرت "النملة" في ثلاثة حكايات (أحمد شوقي: الشوقيات، الجزء الرابع، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، 1983م). ومُبيناً الغاية من وراء هذه القصص يقول "شوقي" في مقدمة قصيدة "الصياد والعصفورة":
حكــاية الصيـــاد والعصفورهصـارت لبعض الزاهدين صوره
مـــا هَزءُوا فيهــــا بمستحقَّولا أرادوا أوليــــاء الحَـــــــــق
مـــا كلُّ أهل الزهد أهلُ اللهكـــم لاعـــــبٍ في الزاهــــدين لاه
جعلتهــا شعراً لتلفت الفِطنواشعـــــر للحكمــة مُذ كان وطن
وخــير مـــا يُنْظَمُ للأديــبمــا نطقتــــــه ألســـنُ التجـريـــــــب.
ومن " ألسن التجريب".. كانت حكاية "الثعلب والديك" ربما الأكثر شهرة في هذا المضمار. حكاية "حكيمة" حفظها ـ شعراًـ الصغار، ووعوا ـ معناها ـ وهم كبار، يقول " شوقي" في مطلعها:
برز الثعـــــــلب يوما في شعــــــار الواعظــــــــــــينا.
فمشى في الأرض يهـــذيويســـب المــــــــــــاكرينا.
ويقول: الحـــــــمد لله إلـــــــــه العــــــالـمــــــــــــينا.
يا عــــــــــباد الله توبوافهو كهــــــــــف التـــــائبينا.
وازهدوا في الطير إن الـعيش عيش الزاهـــدينــــــا.
واطلبوا الديـــك يؤذن لصـــلاة الصــــــــــــبح فينــا.
فأتى الديك رســــــول من إمــــــــــام النــــاســــكينا.
عرض الأمر عليــــــهوهـــــو يرجـــــــو أن يلينـــا.
فأجـــــاب الديـك عذرا يا أضـــل المهـــــتدينــــــــــا.
بلـــــغ الثعلب عنـــيعن جـــــــدودي الصالحـــــينا.
عن ذوي التيجان ممن دخــــــل البطــــــــن اللعينــا.
إنهم قــــــــــالوا وخير القــــــول قــول العــــــارفينا.
" مـــخطـــئ من ظن يومــــا أن للثعــــــــلب ديـــنا"!.
ولعل الطريقه الغالبة علیحكايات "أمير الشعراء" هي أن يصرّح بمغزی المثل، ويصوغه في بيت يجعله في الختام. ويوفق إلی الإجادة فيكونأروع بيت في الحكاية. فمن خلال تظاهر "أبي الحصين" بالتوبة عن أكل لحم الطير.. أعطي شاعرنا الكبير إشارات استفهام،وعلامات تعجب. فهو يحذر من تصديق العدو، والانسياق وراء مزاعمه وأكاذيبه، ومحاولته تغيير جلده رغبة "نهش لحم الديك". ونري "الثعلب" يكرر المحاولة الخادعة / الماكرة:
أَتى نبيَّ الله يوماً ثعلبُفقـــــال: يا مولايَ، إني مذنـــــــــبْ
قد سوَّدتْ صحيفتي الذنــــــوبُوإن وجدْتُ شافعاً أَتـــــــوب
فاسألْ إلهي عفوهُ الجليلالتائــــــبٍ قد جاءهُ ذليـــــــــــــــلا
وإنني وإن أسأتُ السيراعمـــــــلتُ شرَّا، وعملتُ خيـــــرا
فقد أتاني ذاتَ يومٍ أرنبُيرتَــــــعُ تحتَ منزلي ويَلعَـــــــــبُ
ولم يكن مراقِبٌ هُنالكالكنَّــــــني تَركتُهُ معْ ذلكـــــــــــــــــا
إذ عفتُ في افتراسهِ الدناءهْفلم يصلهُ من يدي مســــــاءهْ
وكان في المجلس ذاكَ الأرنبُيسمعُ ما يبدي هناكَ الثعلبُ
فقال لمَّا انقطعَ الحـــــديثُ:قد كان ذاكَ الزهدُ يا خبيـــــــث
وأنت بينَ الموتِ والحياة ِمن تُخــــــمة ٍ أَلقتْك في الفلاة ِ!
بينما يبرز ـ بمكره المعهودـ يلقي خطبة تأبين في "ولي عهد الأسد":لما دعا داعي أبى الأشبالمبشراً بأول الأنجال. سعت سباع الأرض والسماءوانعقد المجلس للهناء. وصدر المرسوم بالأمانفي الأرض للقاصي بها والداني. فضاق بالذيول صحن الدارمن كل ذي صوف وذي منقارحتى إذا استكملت الجمعيهنادى منادي الليث في المعيه.هل من خطيب محسن خبيريدعو بطول العمر للأمير؟.فنهض الفيل المشير الساميوقال ما يليق بالمقام.ثم تلاه الثعلب السفيرينشد، حتى قيل: ذا جرير.واندفع القرد مدير الكاسفقيل: أحسنت أبا نواس!.وأومأ الحمار بالعقيرهيريد أن يشرف العشيره.فقال: باسم خالق الشعيروباعث العصا إلى الحمير..!.فأزعج الصوت ولي العهدفمات من رعدته في المهد.فحمل القوم على الحماربجملة الأنياب والأظفار.وانتدب الثعلب للتأبينفقال في التعريض بالمسكين: لا جعل الله له قراراَ،عاش حماراً ومضى حماراً!.
فعلي الجانب الآخر نري الحمار الغبي المخدوع/ قبيح الصوت دائماً. وهذالا يخصّ قصص "شوقي" أو الأدب العربي فحسب بل في اغلب لغات العالم نسجت حول «الحمار» مداعباتكثيرة ونكات، بل وشتائم. ومن هذه المداعبات قصة "الحمار في السفينة":سقط الحمارُ من السفينة في الدُجي فبـــكي الرفاق لفقده، وترحمَّوُا.
حتي إذا طلـــع النهار أتت بهنحـــوالسفينــــة مـــــــــــــــوجة تتقدّمُ.
قالت: خــذُوهُ كما أتاني سالماًلم أبتلعـــــــهُ، لأنــــه لا يُهضــــــــــم.
واستخدام "طرافة السخرية" شائع في هذه القصص كما يبدو جلياً فيقصيدة«الأسد والثعلب والعِجل"، ومطلعها:
نظـــر الليث إلی عجـــلٍ سمين كـــان بالقــرب علی غيط أمين.
فاشتهت من لحمه نفسُ الرئيس وكــذا الأنفس يُصيبهاالنفيس.
قــال للثعلب : يــــا ذالاحتيال رأسك المحبوب أوذاك الغــــــزال.
فــدعا بالسعـــد والعُمر الطويل ومضي في الحال للأمر الجليل.
كما يسخر "شوقي" من المغرورين- مشبهاً إياهم برمزهم العتيق "الطاووس". فقد جاء يوماً إلى "سليمان" عليه السلام، فقامأمامه يعرض لجمال ريشه، يظهره طوراً، ويخفيه أحياناً. ولم يتردد في أنيعلن بأنه استوفى آيات الحسن "سلطان جميع الطيور".. شكلاً، ولوناً وبهاءً ورشاقة. فلماذا لا يوهب أيضاً حُسن الصوت وطلاوته؟!.
فحسن الصوت قد أمسى نصيبي منه حرمانا. فيمـــــا تّيمت أفئدة ولا أســـــــــــــكرت آذانا.وهذي الطير أحقرها يزيد الصب أشجانــــــا. وتهتز الملوك له إذا ما هـــز عيدانــــــــــــا؟.
فماذا قال له النبي سليـــمان؟. لقد ذكره ـ بحكمة الله تعالي في خلقه، وليس له أن يغترَ أو يتكبر:
فقال له سُليــــــمان لقد كان الذي كانا. تعالت حكمة الباري وجلّ صنيعه شانا. لقد صغرت يا مغرور نُعمي الله كفرانا
ومُلك الطير لم تحفل به، كبراً وطغيانا. فلو أصبحت ذا صوت لما كلمت إنسانا.
وهاهو الهدهد يعتذر عن "خرس ألمّ بالبلابل"، لأن "بوم الشئوم رباها:
أنبئت أن سليمان الزمان ومنأصبى الطيور، فناجته، وناجاهـــا
أعطى بلابله يوماً –يؤدبهالحرمة عنده- للبوم يرعاهـــــــــــــــا
واشتاق يوماً من الأيام رؤيتهافأقبلت وهي أعصى الطير أفواها
أصابهـــا العي، حتى لا اقتدار لهابأن تثبت نبي الله شكواهـــــــا
فنال سيـــــــدها من دائها غضبوود لو أنه بالذبح داواهـــــــــا
فجاءه الهدهـــــد المعهود معتذراًعنها، يقول لمولاه ومولاهـــا:
بلابل الله لم تخرس، ولا ولدتخرساً، ولكن بوم الشئوم رباهــا.
بينما الحكمة البادية من قصيدة "سليمان والهدهد": إن للظالم صَدْراًيشتكي من غير عله.
وقفَ الهُدْهُدُ في بابِ سليمانَ بذلِّهْقال: يا مولايَ، كن ليعشتي صارت مملَّه.متُّ من حَبَّة ِ بُرٍّأحدثتْ في الصدر غُلَّه.لا مياهُ النيلِ ترويـها، ولا أَمواهُ دِجْله.وإذا دامت قليلاقتلتْني شرَّ قِتْلَه.فأشار السيد العالي إلى من كان حوله: قد جنى الهدهدُ ذنباًوأتى في اللؤوم فعله.تِلك نارُ الإثمِ في الصَّدرِ، وذي الشكوى تَعِلَّه.ما أرى الحبة إلاسُرِقت من بيتِ نمله.إن للظالم صَدْراًيشتكي من غير عله.
ويحكي "شوقي" أن نبي الله سليمان عليه السلام أرسل حمامة بثلاث رسائل إلي حكامه. وكان بها إكرامشديد للحمامة، ولكنها فتحت الرسائل وخانت الأمانة:كان ابن داود يقربفي مجالسه حمامـــــــة. خدمتهعمرا مثلماقد شاء صدقا واستقامة.فمضتإليعمالهيوماتبلغهمسلامــــه.والكتب تحت جناحهاكتبت لها فيها الكرامة.فأرادت الحمقاء تعرفمنرسائلهمرامه.عمدتلأولهاوكانإليخليفته (برامة).فرأتهبأمرفيهعاملهبتاجللحمامه.ويقول وفوها الرعايةفي الرحيل والإقامة.ويشير في الثاني بأنتعطي رياضاً في تهامة.وأتتلثالثهاولمتستحي أن فضت ختامه.فرأتهيأمر أنتكونلها علي الطير الزعامة.فبكتلذلكتندماهيهات لا تجدي الندامة!. وأتت نبي الله وهي تقول : يارب السلامة!. قالت: فقدت الكتب ـ يا مولايـ في أرض اليمامة…. لتسرُّعي لمّا اتاني الباز يدفعمي أمامه!. فأجاب " بل جئت الذي تقوم له القيامه. لكن كفاك عقوبة من خَان خانته الكرامة!.
بينما في "أمة الأرانب والفيل" يقدم "أنموذجاً" يُحتذي ـ في المجال الإجتماعي والسياسي ـ في كيفية المشورة، وتبادل الرأي، وإعلاء صوت العقل والحكمة والخبرة:
يــحكون أن أمــــــــــة الأرانـبِقد أخذت من الثرى بجـــــــانب
وابتهجت بالوطـــــــــــن الكريموموئـــــــل العيال والحريـــــم
فاختاره الفيــــــل له طريقـــــــــــ،اممزقاً أصحابنا تمزيقـــــــا
وكان فيهم أرنب لبيــــــــــــبأذهب جـُلّ صوفه التــــــــجريب
نادى بهم: يا معشر الأرانبمن عالم، وشاعر، وكاتــــــــــب
اتحدوا ضد العــــــــــــدو الجـــــــــــافيفالاتحاد قوة الضعاف
فأقبلوا مستصوبيـــــــــــــن رايهوعقدوا للاجتماع رايــــــــــه
وانتخبوا من بينهم ثلاثهلا هــــــــــــرماً راعوا، ولا حــــداثه
بل نظروا إلى كمــــــــال العقالواعتبروا في ذاك سن الفضل
فنهض الأول للخطــــــــــابفقال: إن الرأي ذا الصــــــــواب
أن تترك الأرض لذى الخرطومكـي نستريح من أذى الغَشوم
فصــــــاحت الأرانب الغوالي:هذا أضر من أبــــــــي الأهوال
ووثب الثـــــــاني فقال: إنيأعهــــــــــد في الثعلب شيخ الفن
فلندعه يمـــــــــــدنا بحكمتـــــهويأخذ اثنين جـــــــزاء خدمته
فقيـــــــــــل: لا يــــا صاحب السمولا يدفع العدو بالعــــــــــدو
وانتدب الثالث للـــكلامفقال: يــــــــــــا معشر الأقــــــــــــــوام
اجتمعوا؛ فالاجتماع قـــوةثم احفروا على الطريق هــــــــــوه
يهوي إليها الفيل في مرورهفنستريح الدهر من شــــــــروره
ثم يقول الجيـــــــلُ بعد الجيلقد أكل الأرنب عقل الفيـــــــــــل
فاستصوبوا مقاله، واستحسنواوعملوا من فورهم، فأحسنوا
وهـــــــلك الفيـــــــل الرفيع الشانفأمست الأمة في أمـــــان
وأقبلت لصاحــــــــب التدبيرساعيــــــــة بالتاج والسريـــــر
فقال: مهلاً يا بن،،،،ي الأوطانإن محــــــــلي للمحل الثاني
فصاحب الصوت القوي الغالبمن قد دعا: يا معشر الأرانب.
لقد نهج "شوقي" نهج "ابنالمقفع" من حيث المضمون. ففي "حِكايته" عن "الكلبِ معَ الحمامَة" مثال لحسن التعاون:"حِكاية الكلبِ معَ الحمامَه، تشهدُ للجِنسَيْنِ بالكرامَهْ. يقالُ: كان الكلبُ ذاتَ يومِبينَ الرياضِ غارقاً في النَّوم.فجاءَ من ورائه الثعبانُمُنتفِخاً كأَنه الشيطانُ.وهمَّ أن يغدرَ بالأمينِفرقَّتِ الورْقاءُ لِلمِسكينِ.ونزلتْ توَّا تغيثُ الكلباونقرتهُ نقرة ً، فهبَّا. فحمدَ اللهَ على السلامهْوحَفِظ الجميلَ للحمامَهْ.إذ مَرَّ ما مرّ من الزمانِثم أتى المالكُ للبستانِ.فسَبَقَ الكلب لتلك الشجرَهْليُنْذر الطيرَ كما قد أَنذرَهْ.واتخذ النبحَ له علامهْففهمتْ حديثهُ الحمامهْ. وأَقلعتْ في الحالِ للخلاصِفسَلِمتْ من طائِرِ الرَّصاصِ.هذا هو المعروفُ بأهل الفطنْ. الناسُ بالناسِ، ومَن يُعِن يُعَنْ!.
صور متقابلة
وفي صورة رائعة تعرض للتباهي بالسمن/ الغني، علي الهزال/ الفقر يحكي علي لسان "نعجتين": كان لبعضِ الناسِ نعجتانوكانتا في الغيْطِ ترعيانِإحداهما سمينة ٌ، والثانِيهْعِظامها منَ الهُزالِ باديَهفكانتِ الأولى تباهي بالسمنْوقولهم بأنها ذات الثمنْوتَدَّعي أَن لها مقداراوأنها تستوقفُ الأبصارافتصبرُ الأختُ على الإذلالِحاملة ً مَرارة َ الإدلالحتى أتى الجزَّارُ ذاتَ يوموقلبَ النعجة َ دون القومِفقال لِلمالِكِ: أَشْترِيهاونقدَ الكيسَ النفيسَ فيهافانطلقتْ من فورِها لأُختِهاوهْيَ تَشكُّ في صلاح بختِهاتقولُ: يا أُختاهُ خبِّرِينيهل تعرِفينَ حاملَ السِّكين؟قالت: دعيني وهزالي والزمنَوكلِّمِي الجزّارَ يا ذاتَ الثَّمَنْ! لكلِّ حال حلوها ومرُّهاما أَدَبُ النعجة ِ إلا صبرُها.
وفي مقارنة بين "فأر الغيط وفأر البيت":يقال: كانت فأرة الغيطانتتيه بابنيها على الفيران!قد سمت الأكبر نور الغيطوعلمته المشي فوق الخيط.فعرف الغياض والمروجاوأتقن الدخول والخروجا.وصار في الحرفة كالآباءوعاش كالفلاح في هناء.وأتعب الصغير قلب الأمبالكبر، فاختارت بما تسمى.فقال سميني بنور القصرلأنني –يا أم- فأر العصر.إني أرى ما لم ير الشقيقفلي طريق، وله طريق.لأدخلن الدار بعد الداروثباً من الرف إلى الكرار.لعلني إن ثبتت أقداميونلت –يا كل المنى- مرامي.آتيكما بما أرى في البيتمن عسل، أو جبنة، أو زيت.فعطفت على الصغير أمهوأقبلت من وجدها تضمه.تقول: إني –يا قتيل القوت-أخشى عليك ظلمة البيوت.كان أبوك قد رأى الفلاحافي أن تكون مثله فلاحا.فاعمل بما أوصي ترح جنانيأو لا، فسر في ذمة الرحمن.فاستضحك الفأر، وهز الكتفاوقال: من قال بذا قد خرفا.ثم مضى لما عليه صمماوعاهد الأم على أن تكتما.فكان يأتي كل يوم جمعهوجبنة في فمه، أو شمعه.حتى مضى الشهر، وجاء الشهروعرف اللص، وشاع الأمر.فجاء يوماً أمه مضطربافسألته: أين خلي الذنبا؟.فقال: ليس بالفقيد من عجبفي الشهد قد غاص، وفي الشهد ذهب.وجاءها ثانية في خجلمنها يدارى فقد إحدى الأرجل.فقال: رف لم أصبه عاليصيرني أعرج في المعالي.وكان في الثالثه ابن الفارهقد أخلف العادة في الزياره.فاشتغل القلب عليه، واشتعلوسارت الأم له على عجل.فصادفته في الطريق ملقىقد سحقت منه العظام سحقا.فناحت الأم، وصاحت: واها!إن المعالي قتلت فتاها!.
صفوة القول: لا شك أن الحكاية على ألسنة الحيوان والطير أدب عالمي عريق. فعنها قرضت أشعار، ونسجت أمثال، وسجلت مأثورات، ورويت حكايات، وأطقلت خرافات الخ. ودلائل هذه وتلك واضحة في حكايات "فاليروس بابريوس"، والحكيم "إيسوب"، و"بيدبا" الفليلسوف، و"كريلوف"، و"لافونتين". ولعل "شوقي"ـ إضافة إلى نهله من المأثور العربي ـ قد تأثر في نسج "حكاياته"بـ"لافونتين". وتبقي حكايات "شوقي" رائعة.. شكلاً ومضموناً. لغة شعرية راقية، وأسلوباً وصوراً متميزة، و"توظيفاً رمزياً" للحيوان والطير واضحاً باهراً. توظيف يأتي من باب "الإسقاط" (الذاتي/ الجمعي)، والتعزيز بالموروث الشعبي/ الفكاهي/ الساخر، ولإثبات الكفاءة والمقدرة وسعة الاطلاع. لقد جاءت سهلة النظم، غنية المعني تحمل في طيّات أبياتها إيماءات ذات مغزی. إنها تقطر بالحكمة، والعظة والعبرة من خلاصة الحياة، وعمق المعاناة، وعصارة التجربة.
أ.د./ ناصر أحمد سنه.Prof. Dr. Nasser Ahmed Senna