شئون فلسطينية:حماس والانتخابات(3/3)
-الجزء الثالث-
بقلم: سري سمور
((هذه –بعد مشيئة الله- سلسلة مقالات تتناول شأننا الفلسطيني، هي جهد المقلّ، ربما ستغضب البعض، وسترضي البعض، وسيتحفظ عليها البعض، ولست أدري ولا يهمني أي الفرق أكبر عددا، ولكن كإنسان ينتمي لهذا الشعب ويعشق أديم هذه الأرض أرى وجوبا علي طرح فكرتي لألقى الله بلا حمل يثقل صدري، وبلا مأثم نابع من سكوت أو تردد أو كتم علم…والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين))
(8) صوت يجب ألا يختفي
للأسف لم أتمكن من الحصول على نسخة مطبوعة أو الكترونية من مذكرات المهندس إبراهيم غوشة، التي نشرها تحت عنوان«المئذنة الحمراء»ولكني اطلعت على عدة عروض وملخصات ومقتطفات من هذه السيرة-الوثيقة الهامة لقائد حمساوي عاصر الحركة الإٍسلامية منذ عشرات السنين والتي يفصح فيها عن معارضته دخول حماس في اللعبة السياسية حتى لا تتأثر كحركة مقاومة.
مما لا ريب فيه أن حماس اليوم تختلف عن حماس الأمس، وإذا كان التطور والنمو والتغير سنة الله في خلقه، فإن هذا لا يعيبها، ولكننا كشعب فلسطيني يرزح تحت احتلال اقتلاعي إحلالي لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني بشراسته وإمكانياته، مطلوب وضرورة كبرى أن يكون منا صوت عال يطالب بوضوح باستعادة حيفا ويافا وعكا واللد والرملة مثلما يطالب بجنين ونابلس وبيت لحم، وحتى الآن في أدبيات حماس الحركية وميثاقها، الذي جرى ويجري الضغط عليها لتعديله، فإن حماس لا تزال صاحبة صوت يطالب بكل حقوق شعبنا؛ إلا أن خطابات وتصريحات خاصة من بعض الأشخاص في رأس الهرم أو أضلاعه أخذت تتحدث بلغة أخرى، وربما أدرك الدوافع والملابسات والشروط التكتيكية، وضرورة اتباع سياسة فيها شيء من الغموض أو المرونة؛ ولكن معظم النار من مستصغر الشرر، كما أن هذه التصريحات والمواقف لم تغير في الواقع الشيء الكثير، فكان ضررها أكبر من نفعها.
فإذا كان لدى الصهاينة من يطالب علنا بترحيل العرب، أو حتى بإبادتهم عن بكرة أبيهم، وما زالت سلطات الاحتلال تسمي الضفة الغربية «يهودا والسامرة» وشعار «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل» لم يشطب من أدبياتهم، ورسميا لا حدود ولا دستور لكيانهم، وحاليا يطالبون بالاعتراف به كدولة يهودية،….أفرأيتم من كان صاحب حق؟ لم يغيّر لغته وخطابه ومقابل أي ثمن؟
يجب ألا تخفت الأصوات المطالبة بالحق كاملا غير منقوص، ولو قيل بأن هذه شعارات لا فائدة ترجى منها؛ نقول بأن الشعارات التي منها تسخرون هزّت عروشا وأسقطت أخرى، وإذا قيل بأن إسرائيل تستغل أصواتا كهذه لكي لا تتنازل عن شيء من الحقوق وتبرر تطرف مواقفها، قلنا له:لقد تنازلنا كثيرا وكلما تنازلنا كانوا يردون على التنازل بطلب المزيد بسعار ونهم، فقد ثـبت عقم هذه السياسة وهذا المنطق وبالتجربة العملية.
في ذروة الانتفاضة الأولى أعلنت حماس أن ما يمثلها فقط هو ما يرد في بيانها الرسمي، وذلك تعقيبا على بعض اللغط على إثر اقتناص بعض الصحف تصريحات مخالفة للموقف المعروف، وكان لحماس صوت واحد ثابت يرتفع مطالبا بكل الحقوق وخط شبابها على الجدران «التفريط في عكا كالتفريط في مكة» ونتذكر الشيخ الشهيد أحمد ياسين حين كانوا يأتون به إلى محاكمهم العسكرية وهو يجلس على كرسيه المتحرك كيف كان يتكلم بوضوح فقال عن خطة جيمس بيكر «بتنفعش» وأن الشريعة لا تبيح الزنا لغير القادر على الزواج، ولا تبيح التنازل عن الأرض لمن لا يقدر على تحريرها؛ أما في السنين الأخيرة فإنه في الوقت الذي يهدر فيه صوت الأستاذ إسماعيل هنية مرددا مرارا وتكرارا «لن نعترف بإسرائيل» تجد أصواتا أخرى هنا وهناك تشتت الموقف وتحرج وتربك، ولا أريد أن أفصّل أكثر لأن الأمر معروف، ويكفينا اللغط الإعلامي في اليومين الأخيرين حول المقاومة الشعبية بشكلها السلمي، حين يخرج مسئول أو قيادي ليصرح تصريحات يعقب بنقيضها زميل له، وينسى هؤلاء أن هناك من يرصد ويكتب وأن جمهورا سيرتبك ويحتار، فمتى ستنتهي التصريحات المتضاربة والتي-بكل صراحة- لن ينفع لمحو أثرها القول بأنها فسّرت بشكل خاطئ أو أنها مجتزأة، خاصة وأنها على الهواء مباشرة؟ثم أليس كل هذا من تبعات الانتخابات؟
(9) المجد صنعه هؤلاء
بسبب الظروف المعقدة التي عاشها شعبنا فإن نظرة الناس لدور النائب قد تختلف تماما عن الدور المنوط به؛ فهم يرون أن على النائب أن يساعد في التوظيف وجلب المساعدات المالية للمعوزين والطلبة وغيرهم، وحين تقول بأن دور النائب ليس هذا يردون عليك:هذا في سويسرا والسويد؛ وطبعا هذه أمور لم يلمسها الناس من النواب الإسلاميين لأسباب مختلفة.
كما أنه ورغم معاناة هؤلاء النواب من الاعتقال والتضييق فإن انتقادات حادة وجهت لهم وبعضها تسرّب لوسائل الإعلام من محسوبين على حماس، وهناك من يتحدث عن الراتب العالي وسيارة الجيب، وهذه ثقافة شعبية ترسخت عند الجمهور الذي يراقب بحساسية، ومن هذا الجمهور من انتخب النواب الإسلاميين، ولا تجدي معه كل التبريرات حول عدم حرمة اقتناء الجيب وأن الراتب مقر بالقانون وأن وأن وأن…فشعبنا حسّاس خاصة تجاه أناس يريدهم بصورة فوق مثالية ورومانسية إلى أبعد الحدود!
وأخال حماس أذكى من الوقوع في الوهم بتصديق الدعاية الغربية التي تصوّر شعبيتها كحصيلة ما تـقدمه مجموعة مؤسسات خيرية وتعليمية؛ فهذا غباء أو خبث؛ فالمجد الذي نالته حماس وأوصل رجالا منها إلى مواقعهم في السلطة التشريعية والتنفيذية سطّرته دماء الشهداء قادة وجندا، وعذابات الأسرى، فينبغي عدم الغفلة ولو للحظة عن هذه الحقيقة في خضم السباحة في بحر السياسة المتلاطم الأمواج؛ فكل المؤسسات وما قدمته أو ستقدمه من مساعدات أو خدمات، وكل الخطابات والمهرجانات لا تفعل ما فعله مقاوم واحد، وأنا بذلك زعيم، وتذكروا قول الله جلّ وعلا:-
}وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{–سورة الأنفال(7)
(10) سيناريوهات الانتخابات
لو فرضنا أنه تم الاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية في موعد متفق عليه وأجريت هذه الانتخابات فيجب منذ الآن عدم الوقوع في الأوهام أو الحسابات الخاطئة.فهذه الانتخابات معظم مقاعدها البرلمانية ستأتي ضمن قوائم التمثيل النسبي مما يضع الناخب أمام خيارات ضيقة ومحدودة قد يطغى عليها ميله أو هواه التنظيمي(أتحدث عن غير المؤطرين وهم كثر) على بغض أشخاص بعينهم، وعليه فإن حماس لن تحصل –على الأغلب-على ما حصلت عليه من مقاعد في 25/1/2006م وهذا بالتأكيد لا يعني أن فتح ستحصل على ما حصلت عليه حماس من مقاعد في ذلك اليوم المشهود؛ أما الكتل والقوائم الأخرى فستربح قليلا من النظام الانتخابي الجديد مما يعطيها فرصة لعب دور بيضة القبان في أي ائتلاف حكومي قادم، وستكون هناك أصوات ضائعة بلا ريب لمرشحين مستقلين، رغم التشدد الذي تعلنه وتبديه فتح حيال فتحاويين سيترشحون بشكل مستقل.
إن خوف الناس من الحصار والتجويع أمر وارد، ولكن هذا لا يعني أنهم سينتخبون فتح بأغلبية، مثلما يتصوّر بعض السذّج،ودعكم من استطلاعات الرأي لأنه ثبت بالتجربة أن نسبة الخطأ فيها كبيرة جدا، والوعي الجمعي الفلسطيني أثبت أنه يعتبر كلّا من حماس وفتح جناحين للقضية الفلسطينية لا تطير إلا بهما معا؛ وعليه فإن النتائج المتوقعة للانتخابات لن تـقصي فتح أو حماس بلا ريب وقد يقوم شعبنا كما عودنا بتوزيع خياراته بشكل نتمنى ألا ندخل بعده في جدل؛ لهذا أكرر التشديد على ضرورة تحديد علاقة السلطة بالمنظمة وصلاحيات المجلس الوطني، فقد يعطي الناخبون حماس أغلبية في المجلس الوطني ويعطون فتح أغلبية في المجلس التشريعي، وقد يعطون مرشح حماس للرئاسة إذا قررت خوضها أو مرشحا مدعوما منها الأغلبية فيما يعطون فتح الأغلبية في المجلس التشريعي، فشعبنا لن يمنح أي فصيل أو حركة أغلبية التمثيل وصلاحية القرار، وهذا كان سببا في الجدل السابق طيلة السنوات السابقة وحتى منذ عشرين سنة، وكأن شعبنا يقول لمكوناته السياسية:نحن نريدكم جميعا، ونحبكم جميعا ونفوضكم جميعا على ألا يستفرد أحد منكم بالقرار!
هذه هي الصورة المتوقعة، وقد اعتاد شعبنا على معاندة الاحتلال ومن يقف خلفه، حتى لو كان الثمن هو الحصار ومحاولات التجويع والتضييق، وفي نفس الوقت فإن شعبنا يخشى هذه السياسات وهذا طبيعي، وفرق كبير بين من يخشى هذه السياسات ويتحسب لها، وبين من يخضع ويستسلم لها!
(11) نظام عربي وعالمي جديد
كان من البديهي أن يتأثر الوضع الفلسطيني بمحيطه العربي وأيضا بأنظمة أوروبا و أمريكا بدرجة أو بأخرى، وقد أثّر الفلسطيني وتأثّر حيثما حلّ وارتحل إلا أن ملامح نظام عربي جديد تبدو واضحة في الأفق القريب، يترافق معها تراجع واضح في النظام الرأسمالي الذي ظل متفردا بقيادة العالم عشرين سنة، وكان قبلها يقاسمه التفرد النظام الماركسي لعقود طويلة؛ فنحن أمام حركة تغيير واسعة، وما شهده هذا العام2011م الذي يوشك على الرحيل من تغيرات وتبدلات أمور تستحق عن أن نقف عندها ونفكر مليا.فالعالم البعيد يتغير وبتسارع، ومحيطنا العربي والإسلامي يتغير وتفاعلات كثيرة تجري، ومعادلات جديدة تلغي ما سبقها.
وأمام هذه التغيرات فإن مسألة الانتخابات لا تبدو بتلك الأهمية التي كانت سابقا،ولابد من التريث لرؤية ما ستؤول إليه الأمور من حولنا!
(12) طاقات لمواجهة التحديات
كم من الشباب من الفئة العمرية (15-25 سنة) وهي الفئة التي قامت على كاهلها الانتفاضتان يتصفح مواقع أخبار سياسية ويقرأ مقالات أو يتابع برامج حوارية؟علما بأنه جيل يتقن التفاعل مع التكنولوجيا، الجواب مرعب، فهؤلاء تركوا السياسة بل عافوها رغم أن مستقبلهم يصنع الآن، وحتى من هو مسيّس من هذه الفئة الهامة ذات الطاقة الهائلة فإنه لم يتربى التربية الحركية اللازمة المتبعة لدى فتح أو حماس أو غيرهما، مما يدق ناقوس الخطر، أما عن قصّات الشعر الغريبة والبنطالات إياها والخواء الروحي والفكري فحدث ولا حرج، بغض النظر عن التبريرات المعروفة فإن التنظيمات تتحمل نصيبا كبيرا من المسئولية، وعليها إعادة ترتيب أولوياتها لاستيعاب هذه الطاقات التي يجب أن تستثمر لمواجهة الأخطار المحدقة؛ أما أن تـنشغل في الانتخابات وأن تشغّل بعض هؤلاء الشباب في الدعايات الانتخابية لبضعة أيام وقد تستوعب عددا قليلا جدا منهم في وظائف دائمة فإن هذا سينشر الإحباط لديهم وسيكونون فريسة سهلة لتيارات معادية ويرتفع مستوى التفاهة لديهم!
وفي ظل التهديدات القائمة والمتزايدة والمتسارعة لتهويد القدس، وفي ظل الأزمات التي يعيشها الكيان العبري ومخاوفه وهواجسه من ثورات الشعوب العربية، وفي الوقت الذي يعلو فيه صوت الحرب لدى كل قادة الكيان من شتى المستويات، ونشمّ رائحة البارود، والأصابع على الزناد، وتنشر يوميا سيناريوهات الحروب القادمة، وهي حروب لها ما بعدها وسيكون لها تأثير واضح على مجريات الوضع عندنا، حيث أن التوتر يمتد من أفغانستان وباكستان مرورا بإيران وتركيا وصولا إلى لبنان وسورية وحتى غزة وقد ينفجر الوضع في هذه البؤر بمتوالية سريعة للغاية!
في ظل كل هذه المتغيرات يفترض حشد كل الطاقات نحو تحصيل الحقوق والثبات على الثوابت، وليس بإشغال الناس بالمرشحين والقوائم ومعادلة تلك الفئة أو حسابات هذه العشيرة أو العائلة..إن الذكاء السياسي هو توحيد كل الطاقات واستثمارها وتوجيهها ببوصلة تشير نحو القدس، وجعل البذل من أجلها وفي سبيل تخليصها معيارا للوطنية والثقة الشعبية، أما حين يرى المواطن فتح وحماس وما بينهما من فصائل قد انهمكوا في موضوع الانتخابات فإن الإحباط سيصيبه في مقتل، وعليه لن يتبقى لنا سوى البكاء وقراءة قصائد الرثاء وتدبيج المقالات وعزف الألحان الحزينة على مسرى نبينا!
وإلى حديث آخر عن شئوننا الفلسطينية بإذن المولى سبحانه وتعالى.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأحد 2 محرم الحرام-1433هـ ، 27/11/2011م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين