تدخل الحملة الانتخابية لاختيار الرئيس القادم للجزائر…
تدخل الحملة الانتخابية لاختيار الرئيس القادم للجزائر أسبوعها الثالث وسط حالة من الاحتقان السياسي بين معارضين يدعون إلى مقاطعة الانتخابات وموالين للمرشحين يدعون من جانبهم إلى المشاركة القوية يوم 17 نيسان أبريل القادم. ويقف أكثر من 21 مليون ناخب في الجزائر أمام حالة من التجاذب السياسي بين مختلف التيارات السياسية التي انقسمت على نفسها إلى طرفي نقيض، بين مشاركة واسعة ومقاطعة غير مسبوقة لتجديد الثقة في الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة، أو انتخاب رئيس ثامن للجزائر من المرشحين الخمسة الآخرين. وقررت مجموعة من الأحزاب والشخصيات السياسية الوطنية في الجزائر الانضواء ضمن تنسيقية موحدة قررت مقاطعة الانتخابات، والمطالبة بتغيير النظام السياسي. وتأمل التنسيقية التي تجمع أحزابا من مختلف التوجهات (إسلامية وعلمانية)، إضافة إلى شخصيات سياسية معروفة، في أن تكون الانتخابات القادمة فرصة لعزوف الجزائريين عن إضفاء الشرعية على النظام الحالي.
وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم المشاركة في التنسيقية إن دعوات المقاطعة نابعة من كون الانتخابات القادمة أصبحت نتائجها محسومة لصالح الرئيس المترشح. وأضاف مقري لـ"راديو سوا" أن حزبه طالب قبل الانتخابات بتوفير جملة من الشروط لإضفاء الشرعية والنزاهة على اختيار الرئيس القادم، أهمها تشكيل لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات، والاطلاع على الكتلة الناخبة، إضافة إلى تشكيل حكومة حيادية للإشراف على العملية. وحسب المتحدث فإن السلطة رفضت الاستجابة لهذه المقترحات، مما جعل المشاركة في الانتخابات عديمة الجدوى.
إجماع على المقاطعة
ويستند الداعون إلى المقاطعة في تحليلاتهم إلى كون العزوف عن الانتخابات في الجزائر أمر تعوّد عليه الناخبون، إذ لم تتعد المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في مايو/أيار 2012 نسبة 42 في المئة من المسجلين في القوائم الانتخابية. ويتوقع جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد الذي انسحب من سباق الترشح، أن تكون المقاطعة في الانتخابات الجارية أوسع من سابقاتها، مشيرا إلى أن الشعب الجزائري في عمومه لم يعد يهتم لأمر الانتخابات، ناهيك عن كون الأحزاب التي دعت إلى عدم التصويت اتسعت دائرتها هي الأخرى. وأضاف سفيان في تصريح لـ "راديو سوا" أن شرائح كبيرة من الجزائريين "تشعر أن الانتخابات لا تجري في مسارها الانتخابي العادي الذي يمكن من إخراج رئيس شرعي".
المقاطعة هي التي ستطغى على المشهد الانتخابي في 17 أبريل
وأشار المتحدث إلى أن الساحة السياسية تشهد يوميا مشادات بين المقاطعين وممثلي المرشحين للانتخابات، واختصر المشهد بقوله إن "المقاطعة هي التي ستطغى على المشهد الانتخابي".
التغيير بالمشاركة
غير أن الفريق الذي يساند أحد المرشحين الستة للانتخابات يرى أن المقاطعة ليست الحل الذي سيجنب البلاد تبعات المرحلة القادمة، في ظل الوضع الداخلي والإقليمي الذي تعيشه الجزائر. ويعتقد عباس مخاليف، البرلماني السابق وعضو الفريق المساند للمرشح علي بن فليس، أن مقاطعة الانتخابات لن تحل التأزم السياسي الذي تعيشه الجزائر، مشيرا إلى أن العزوف عن التصويت لن يساهم في مرور البلاد إلى المرحلة القادمة التي يجب أن تتميز ببناء الدولة الديمقراطية الحقيقية. وأضاف مخاليف لـ "راديو سوا" أن المشاركة القوية لابد أن تكون مقرونة بالسماح بالتعبير الحر للناخبين، إذا ما أريد لهذه الانتخابات أن تساهم في إخراج البلاد إلى بر الأمان.
العزوف عن التصويت لن يساهم في مرور البلاد إلى المرحلة القادمة التي يجب أن تتميز ببناء الدولة الديمقراطية الحقيقية
ويجتهد الموالون للمرشحين الستة منذ انطلاق الحملة الانتخابية في تجنيد الناخبين من أجل الإقبال على صناديق الاقتراع، واختيار واحد من المرشحين الستة، خصوصا الرئيس المترشح الذي ينوب عنه أكثر من ثمانية شخصيات سياسية في إدارة وتنشيط حملته الانتخابية. ويأمل هؤلاء في أن يفوز مرشحهم بنسبة محترمة من المشاركة، خوفا من حالة التوتر السياسي التي قد تعرفها البلاد بعد الانتخابات، في حال ما إذا كانت نسبة المشاركة متدنية، وهي النتائج التي ستستغلها المعارضة للضغط على سلطة قد تكون ناقصة للشرعية، كما حدث في استحقاقات سابقة. وفي هذا السياق قال القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني، العياشي دعدوعة إن المشاركة الهزيلة في الانتخابات السابقة مرده إلى أن الأحزاب المعارضة لم تتمكن من تجنيد قواعدها الضعيفة أصلا بشكل كاف. وأضاف لموقع "راديو سوا" أن الأحزاب المشاركة في السلطة الحالية، والتي تملك حسبه وعاءا شعبيا مقبولا، استطاعت أن تحقق نسبة مشاركة مرضية في الانتخابات السابقة.
المقاطعة في هذه الانتخابات ستكون أكثر اتساعا لأن الأحزاب التي تدعو للمقاطعة كثيرة
وأضاف أن المقاطعة في هذه الانتخابات ستكون أكثر اتساعا "لأن الأحزاب التي تدعو للمقاطعة كثيرة". غير أن عباس مخاليف أكد أن الداعين إلى المشاركة يعملون خلال التجمعات اليومية التي ينشطها المرشحون وممثليهم، على تحسيس المواطنين ومحاولة إقناعهم بضرورة الذهاب بقوة إلى التصويت. وأشار المتحدث إلى أن العمل التحسيسي بدأ يأتي بثماره مع مرور أيام الحملة الانتخابية. وقال إن "ما لاحظناه خلال نشاطاتنا الانتخابية هو أن هناك تدفق جماهيري كبير على التجمعات، ما يجعلنا نأمل في أن المشاركة ستكون محترمة". وقال العياشي دعدوعة من جانبه إن الداعين إلى المقاطعة "مجرد ظاهرة صوتية لا أثر لها ولا تأثير"، مضيفا أن دعوة المقاطعة فكرة غير صائبة، فإذا قاطع الشعب الجزائري، حسب رأيه "سنجد أنفسنا يوم 19 نيسان/أبريل بدون رئيس، وإذا وصلنا إلى هذا الوضع فماذا سيكون الحل؟".
ماذا بعد 17 أبريل؟
وبين الدعوتين إلى المقاطعة والمشاركة، يبقى التساؤل مطروحا ليس فقط حول مدى إقبال الناخبين على التصويت، ولكن أيضا حول درجة المصداقية التي سيتمتع بها الرئيس القادم في حال تم انتخابه بنسبة مشاركة متدنية. وفي هذا الصدد، يقول جيلالي سفيان إن مخاوف الطبقة السياسية تتزايد مع قدوم موعد الانتخابات، خصوصا في ظل الاعتقاد السائد لدى المعارضة من أن النتائج محسومة لصالح الرئيس المترشح. وقال سفيان أنه في حال "فاز بوتفليقة بطرق غير شرعية، فإن البلاد مرشحة للدخول في مرحلة فوضى وانزلاقات، لأن الشعب رافض لعهدة رابعة بسبب مرض الرئيس وعدم إمكانية قيادة البلاد. وإذا فاز مرشح آخر غير بوتفليقة، فإن شرعيته ستكون منقوصة بسبب المقاطعة المتوقعة". وتابع قائلا "أرى أن المقاطعة هي وسيلة فعالة لإجبار النظام بعد الانتخابات لفتح مجال لحوار سياسي حقيقي مع المجتمع". وبين المقاطعين والمشاركين، ظهرت مجموعة ثالثة لا ترى في الانتخابات القادمة إلا مضيعة للوقت والجهد، وتطالب بالتغير الشامل للنظام السياسي القائم. وتعد حركة "بركات" التي تعني كفى، من الداعين إلى هذا التغيير الشامل، بعد أن بدأت نشاطها بحملة معارضة لترشح بوتفليقة لولاية رابعة، قبل أن تتبلور إلى حركة مواطنة تضم ناشطين من المجتمع المدني وصحافيين وشخصيات مستقلة، للمطالبة بتغيير النظام.
مهما تكن نتيجة الانتخابات المقبلة، فإن حركة "بركات" ستواصل مسيرتها للنضال من أجل استرجاع حرية وكرامة الجزائريين
وقالت أميرة بوراوي، وهي طبيبة ومن أوائل الذين تظاهروا في الشارع ضد بوتفليقة، إن "بركات" هي حركة مواطنين جزائريين يطالبون بالتغيير الجذري. وأكدت في تصريح لـ "راديو سوا" أنه مهما تكن نتيجة الانتخابات المقبلة، فإن حركة "بركات" ستواصل مسيرتها للنضال من أجل "استرجاع حرية وكرامة الجزائريين".